ليس لنا عندك ذنب إلا إيماننا بما جاءنا به رسولنا، واتباعنا آيات ربنا لما جاءتنا (ربنا أفرغ علينا صبرا) أي ثبتنا على ما ابتلينا به من عقوبة هذا الجبار العنيد والسلطان الشديد بل الشيطان المريد (وتوفنا مسلمين) وقالوا أيضا يعظونه ويخوفونه بأس ربه العظيم (إنه من يأت ربه مجرما (1) فان له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى) يقولون له فإياك أن تكون منهم فكان منهم (ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى) أي المنازل العالية (جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى) فاحرص أن تكون منهم فحالت بينه وبين ذلك الاقدار التي لا تغالب ولا تمانع وحكم العلي العظيم بأن فرعون لعنه الله من أهل الجحيم ليباشر العذاب الأليم يصب من فوق رأسه الحميم * ويقال له على وجه التقريع والتوبيخ وهو المقبوح المنبوح والذميم اللئيم (ذق إنك أنت العزيز الكريم) [الدخان: 49].
والظاهر من هذه السياقات أن فرعون لعنه الله صلبهم وعذبهم رضي الله عنهم. قال عبد الله بن عباس وعبيد بن عمير كانوا من أول النهار سحرة صاروا من آخره شهداء بررة * ويؤيد هذا قولهم (ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين).
فصل ولما وقع ما وقع من الامر العظيم وهو الغلب الذي غلبته القبط في ذلك الموقف الهائل وأسلم السحرة الذين استنصروا ربهم لم يزدهم ذلك إلا كفرا وعنادا وبعدا عن الحق. قال الله تعالى بعد قصص ما تقدم في سورة الأعراف: (وقال الملا من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك. قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون. قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا ان الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين. قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا. قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعلمون) [الأعراف: 127 - 129].
يخبر تعالى عن الملا من قوم فرعون وهم الامراء والكبراء أنهم حرضوا ملكهم فرعون على أذية نبي الله موسى عليه السلام ومقابلته بدل التصديق بما جاء به بالكفر والرد والأذى قالوا (أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك) يعنون - قبحهم الله - أن دعوته إلى عبادة الله وحده لا شريك له والنهي عن عبادة ما سواه فساد بالنسبة إلى اعتقاد القبط لعنهم الله. وقرأ بعضهم (ويذرك وآلهتك) أي وعبادتك ويحتمل شيئين أحدهما ويذر دينك وتقويه القراءة الأخرى. الثاني ويذر أن يعبدك فإنه كان يزعم أنه إله لعنه الله (قال سنقتل أبناءهم ونستحي نساءهم) أي لئلا يكثر مقاتلتهم (وإنا فوقهم قاهرون) أي غالبون (وقال موسى لقومه