فرعون - لعنه الله - بشئ من ذلك بل استمر على ما هو عليه، وأظهر أن هذا كله سحر، وأراد معارضته بالسحرة، فأرسل يجمعهم من سائر مملكته ومن [هم] (1) في رعيته وتحت قهره ودولته، كما سيأتي بسطه وبيانه في موضعه، من إظهار الله الحق المبين والحجة الباهرة القاطعة على فرعون وملائه، وأهل دولته وملته، ولله الحمد والمنة.
وقال تعالى في سورة طه (فلبثت سنين في أهل مدين ثم جئت على قدر يا موسى واصطنعتك لنفسي إذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تنيا في ذكري إذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى) [طه: 40 - 46].
يقول تعالى مخاطبا لموسى فيما كلمه به ليلة أوحى إليه، وأنعم بالنبوة عليه، وكلمه منه إليه:
قد كنت مشاهدا لك وأنت في دار فرعون وأنت تحت كنفي وحفظي ولطفي ثم أخرجتك من أرض مصر إلى أرض مدين بمشيئتي وقدرتي وتدبيري فلبثت فيها سنين (ثم جئت على قدر) أي مني لذلك، فوافق ذلك تقديري وتسييري (واصطنعتك لنفسي) أي اصطفيتك لنفسي برسالتي وبكلامي (اذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تنيا في ذكري) [طه: 45] يعني ولا تفترا في ذكري إذ قدمتما عليه ووفدتما إليه (2) فإن ذلك عون لكما على مخاطبته ومجاوبته وإهداء (3) النصيحة إليه وإقامة الحجة عليه. وقد جاء في بعض الأحاديث يقول الله تعالى " إن عبدي كل عبدي الذي يذكرني وهو ملاق قرنه " (4) وقال تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا الآية) [الأنفال: 45] ثم قال تعالى (اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى) [طه: 43] وهذا من حلمه تعالى وكرمه ورأفته ورحمته بخلقه مع علمه بكفر فرعون وعتوه وتجبره وهو إذ ذاك أردى خلقه وقد بعث إليه صفوته من خلقه في ذلك الزمان ومع هذا يقول لهما ويأمرهما أن يدعواه إليه بالتي هي أحسن برفق ولين ويعاملاه معاملة من يرجو أن يتذكر أو يخشى كما قال لرسوله (أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن)