علي حتى صارت سنابك الخيل في الفرات، وغلبوا على المشرعة، وكان الواقف عليها عبد الله بن الحارث أخو الأشتر، فلما غلب علي على المشرعة قال أصحاب معاوية: إنه لا قوام لنا وقد أخذ علي الماء! فقال عمرو بن العاص لمعاوية:
إن عليا لا يستحل منك ومن أصحابك ما استحللت منه ومن أصحابه، فأطلق علي الماء. وكان ذلك في ذي الحجة سنة 36.
ثم وجه علي إلى معاوية يدعوه ويسأله الرجوع، وألا يفرق الأمة بسفك الدماء، فأبى إلا الحرب، فكانت الحرب في صفين سنة 37، وأقامت بينهم أربعين صباحا.
وكان مع علي يوم صفين من أهل بدر سبعون رجلا، وممن بايع تحت الشجرة سبعمائة رجل، ومن سائر المهاجرين والأنصار أربعمائة رجل، ولم يكن مع معاوية من الأنصار إلا النعمان بن بشير، ومسلمة بن مخلد، وصدقت نيات أصحاب علي في القتال، وقام عمار بن ياسر، فصاح في الناس، فاجتمع إليه خلق عظيم، فقال: والله إنهم لو هزمونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أنا على الحق، وأنهم على الباطل. ثم قال: ألا هل من رائح إلى الجنة؟ فتبعه خلق، فضرب حول سرادق معاوية، فقاتل القوم قتالا وقتل عمار بن ياسر، واشتدت الحرب في تلك العشية، ونادى الناس: قتل صاحب رسول الله، وقد قال رسول الله: تقتل عمارا الفئة الباغية.
وزحف أصحاب علي وظهروا على أصحاب معاوية ظهورا شديدا، حتى لصقوا به، فدعا معاوية بفرسه لينجو عليه، فقال له عمرو بن العاص: إلى أين؟
قال: قد نزل ما ترى، فما عندك؟ قال: لم يبق إلا حيلة واحدة، أن ترفع المصاحف، فتدعوهم إلى ما فيها، فتستكفهم وتكسر من حدهم، وتفت في أعضادهم. قال معاوية: فشأنك! فرفعوا المصاحف، ودعوهم إلى التحكم بما فيما، وقالوا: ندعوكم إلى كتاب الله. فقال علي: إنها مكيدة، وليسوا بأصحاب قرآن. فاعترض الأشعث بن قيس الكندي، وقد كان معاوية استماله،