غني عن العالمين " أفرأيتم هذا البيت، لو لم يحجج إليه أحد كان البيت يكفر، إن هذا البيت لو تركه من استطاع إليه سبيلا كفر، وأنتم كفرتم بترككم إياي لا أنا كفرت بتركي لكم.
فرجع يومئذ من الخوارج ألفان، وأقام أربعة آلاف، والتحمت الحرب بينهم مع زوال الشمس، فأقامت مقدار ساعتين من النهار، فقتلوا من عند آخرهم، وقتل ذو الثدية، ولم يفلت من القوم إلا أقل من عشرة، ولم يقتل من أصحاب علي إلا أقل من عشرة، وكانت وقعة النهروان سنة 39.
ولما قدم علي الكوفة قام خطيبا فقال: بعد حمد الله والثناء عليه والتذكير لنعمه والصلاة على محمد وذكره بما فضله الله به، أما بعد أيها الناس! فأنا فقأت عين الفتنة، ولم يكن ليجترئ عليها أحد غيري، ولو لم أكن فيكم ما قوتل الناكثون، ولا القاسطون، ولا المارقون، ثم قال: سلوني قبل أن تفقدوني، فإني عن قليل مقتول، فما يحبس أشقاها أن يخضبها بدم أعلاها، فوالذي فلق البحر وبرأ النسمة لا تسألوني عن شئ فيما بينكم وبين الساعة، ولا عن فتنة تضل مائة أو تهدي مائة إلا أنبأتكم بناعقها وقائدها وسائقها إلى يوم القيامة.
إن القرآن لا يعلم علمه إلا من ذاق طعمه. وعلم بالعلم جهله، وأبصر عمله، واستمع صممه وأدرك به مأواه، وحي به إن مات، فأدرك به الرضى من الله، فاطلبوا ذلك عند أهله، فإنهم في بيت الحياة، ومستقر القرآن، ومنزل الملائكة، وأهل العلم الذين يخبركم عملهم عن علمهم وظاهرهم عن باطنهم هم الذين لا يخالفون الحق، ولا يختلفون فيه، قد مضى فيهم من الله حكم صادق، وفي ذلك ذكرى للذاكرين.
واما أنكم ستلقون بعدي ذلا شاملا وسيفا قاتلا وأثرة قبيحة يتخذها الظالمون عليكم سنة تفرق جموعكم، وتبكي عيونكم، وتدخل الفقر بيوتكم، وستذكرون ما أقول لكم عن قليل، ولا يبعد الله إلا من ظلم.
ووجه معاوية بن أبي سفيان عمرو بن العاص على مصر على شرط له،