الفريقين يرضون بذلك بما أوجبه كتاب الله، واشترط على الحكمين في الكتابين أن يحكما بما في كتاب الله من فاتحته إلى خاتمته لا يتجاوزان ذلك، ولا يحيدان عنه إلى هوى، ولا إدهان، وأخذ عليهما أغلظ العهود والمواثيق، فإن هما جاوزا بالحكم كتاب الله من فاتحته إلى خاتمته، فلا حكم لهما.
ووجه علي بعبد الله بن عباس في أربعمائة من أصحابه ونفذ معاوية أربعمائة من أصحابه، واجتمعوا بدومة الجندل في شهر ربيع الأول سنة 38.
فخدع عمرو بن العاص أبا موسى، وذكر له معاوية فقال: هو ولي ثأر عثمان وله شرفة في قريش، فلم يجد عنده ما يحب، قال: فابني عبد الله؟ قال: ليس بموضع لذلك. قال: فعبد الله بن عمر؟ قال: إذا يحيي سنة عمر، الآن حيث به 1. فقال: فاخلع عليا وأخلع أنا معاوية، ويختار المسلمون.
وقدم عمرو أبا موسى إلى المنبر فلما رآه عبد الله بن عباس قام إلى عبد الله ابن قيس، فدنا منه، فقال: إن كان عمرو فارقك على شئ، فقدمه قبلك، فإنه غدر. فقال: لا، قد اتفقنا على أمر، فصعد المنبر، فخلع عليا، ثم صعد عمرو بن العاص فقال: قد ثبت معاوية كما ثبت خاتمي هذا في يدي. فصاح به أبو موسى: غدرت يا منافق، إنما مثلك مثل الكلب إن تحمل عليه يلهث، أو تتركه يلهث. قال عمرو: إنك مثلك مثل الحمار يحمل أسفارا.
وتنادى الناس: حكم والله الحكمان بغير ما في الكتاب، والشرط عليهما غير هذا. وتضارب القوم بالسياط، وأخذ قوم بشعور بعض، وافترق الناس ونادت الخوارج: كفر الحكمان، لا حكم إلا لله.
وقيل: أول من نادى بذلك عروة بن أدية التميمي قبل أن يجتمع الحكمان، وكانت الحكومة في شهر رمضان سنة 38.
قال ابن الكلبي: أخبرني عبد الرحمن بن حصين بن سويد... 2 قال: