مع العفو أكثر منها مع العاجلة، والقلوب لا تبقى لوال لا يعطف إذا استعطف، ولا يعفو إذا قدر، ولا يغفر إذا ظفر، ولا يرحم إذا استرحم، من قلت رحمته واشتدت سطوته وجب مقته وكثر مبغضوه.
وكان المهدي قد ألح في طلب الزنادقة وقتلهم، حتى قتل خلقا كثيرا، فبلغه أن صالح بن أبي عبيد الله كاتبه زنديق، فأحضره، فلما صح عنده أمره استتابه، فقال: لا رغبة عما أنا عليه، ولا حاجة في غيره، فأمر المهدي أبا عبيد الله أباه أن يقوم فيضرب عنقه، فقام فأخذ السيف، ثم دنا من ابنه، فلما رفعه رجع، فقال: يا أمير المؤمنين! إني قمت سامعا مطيعا، وإنه أدركني ما يدرك الرجل في ولده، فأمره، فجلس، ثم أمر بضرب عنقه بين يديه، ثم أملى عليه كتابا، وهو ينظر إلى ابنه مقتولا، ثم قال: إن كنت كرهت قتل عدو لله كافر به، فأبعدك الله. فلما قام أبو عبيد الله قال بعض الجلساء:
ما أحسب هذا يطيب قلبه أبدا! فقال: كذلك والله أظنه، وإنه لقريب من ابنه.
ثم كانت السخطة عليه، وصير مكانه يعقوب بن داود، وأتى بصالح بن عبد القدوس، فاستتابه فتاب، فلما خرج من عنده ذكر له قوله:
والشيخ لا يترك أخلاقه * حتى يوارى في ثرى رمسه قال: وإنك لتقول هذا، فرده فضرب عنقه، ولم يستتبه.
ووثب أهل الحوف بمصر سنة 168، فخرج إليهم موسى بن مصعب، وكان العامل بها، فقاتلهم قتالا شديدا، وكان صاحب علمه هاشم بن عبد الرحمن ابن معاوية بن حديج السكوني، فنكس العلم وانهزم. ومال أهل الحوف على موسى بن مصعب. فقتلوه. فولى المهدي الفضل بن صالح الهاشمي، فلم يرد البلد إلا بعد وفاة المهدي.
وكان الغالب على المهدي، صدر خلافته، معاوية بن عبد الله المعروف بأبي عبيد الله مولى الأشعريين، ثم وقف منه على خيانة وصير مكانه يعقوب بن