فوهبها لابنه عبد العزيز، فورثها عمر منه، فردها على ولد فاطمة. فلم تزل في أيديهم حتى ولي يزيد بن عبد الملك، فقبضها. ورد عمر هدايا النيروز والمهرجان، ورد السخر، ورد العطاء، على قدر ما استحق الرجل من السنة، وورث العيالات على ما جرت به السنة، غير أنه أقر القطائع التي أقطعها أهل بيته، والعطاء في الشرف لم ينقصه، ولم يزد فيه، وزاد أهل الشأم في أعطياتهم عشرة دنانير، ولم يفعل ذلك في أهل العراق، وكان يقول: ما بقي المسلم على جفوة السلطان ونزغة الشيطان لم أر شيئا أعون له على دينه من إعطائه حقه.
فكان يجلس للنظر في أمور المسلمين نهاره كله، فقال له رجاء بن حياة: يا أمير المؤمنين! نهارك كله مشغول، ذلك جزء من الليل، وأنت تسمر معنا. فقال:
يا رجاء إن ملاقاة الرجال تلقح لأوليائها، وإن المشورة والمناظرة باب رحمة ومفتاح بركة، لا يضل معهما رأي ولا يقعد معهما حزم.
وكان يقول: لكل شئ معدن، ومعدن التقوى قلوب العاقلين، لأنهم عقلوا عن الله، فاتقوه في أمره ونهيه.
وكتب إلى عامله باليمن: أما بعد، فدع ما أنكرت من الباطل، وخذ ما عرفت من الحق بالغا بك ما بلغ، فإن بلغ مهج أنفسنا، فإن الله يعلم أنك إن لم تحمل إلي إلا حفنة من كتم فإني بذلك مسرور، إذا كان موافقا.
قال الزهري: دخلت إلى عمر يوما فبينا أنا عنده إذ أتاه كتاب من عامل له يخبره أن مدينتهم قد احتاجت إلى مرمة، فقلت له: إن بعض عمال علي بن أبي طالب كتب بمثل هذا، وكتب إليه: أما بعد فحصنها بالعدل، ونق طرقها من الجور، فكتب بذلك عمر إلى عامله.
ووجه عمر إلى مسجد دمشق من ينزع ما فيه من الرخام والفسيفساء والذهب، وقال: إن الناس يشتغلون بالنظر إليه عن صلاتهم، فقيل له: إن فيه مكيدة للعدو، فتركه، وارتحل إلى خناصرة، فنزلها، وهي برية من أطراف جند قنسرين، وكره أن ينزل في منازل أهل بيته التي بنوها بمال الله وفئ المسلمين،