خليفة الحجاج، وكان قصيرا، خفيف البدن، فلما رآه قال له: أنت يزيد؟
قال: نعم! قال: صاحب الحجاج والافعال التي بلغتني معما أرى من دمامة خلقتك؟ قال: ذاك والله أنك رأيتني والدنيا عليك مقبلة، وهي عني مدبرة، ولو رأيتها وهي إلي مقبلة، وعنك مدبرة، لاستعظمت ما استصغرت، واستجللت ما استحقرت. قال: أين ترى الحجاج يهوي في النار؟ قال: لا تقل هذا يا أمير المؤمنين لرجل يحشر عن يمين أبيك وشمال أخيك، وأنزله حيث شئت تنزلهما معه. فقال ليزيد بن المهلب: خذه إليك، فعذبه بألوان العذاب، حتى تستخرج منه الأموال. فقال: يا أمير المؤمنين أنا أعلم به، لا والله ما عنده مال، ولا كان ممن يحوي المال. وكان يزيد بن المهلب يعرف له جميع فعله به، فولاه سليمان الصائفة.
وكان قتيبة بن مسلم عامل الحجاج على خراسان، فلما بلغه فعل سليمان بنظرائه، وقصده عمال الوليد، وعمال الحجاج، جمع إليه إخوانه وأهل بيته، وأوغل في أرض العجم، حتى بلغ بلد فرغانة القصوى، وكان عبد الله ابن الأهتم التميمي معه، فهرب منه إلى سليمان، فرفع إليه، فأخذ قتيبة قوما من أهل بيته، فقتلهم، وقطع أيدي آخرين وأرجلهم، وكان يزيد بن المهلب عدوه لما فعل به وبأهل بيته لما ولي عليه، فعلم أنه لا يصلح له حب سليمان، وكتب إليه كتابا، فأجابه سليمان يغلظ له، فأراد الخلع، وهو لا يشك أن موضعه من النزارية.... 1 واليمانية لا يخالفونه، فلما علم القوم مذهبه تبعدوا عنه، فخطبهم خطبة مشهورة، نال فيها، وقال: يا معشر تميم، ويا أهل الذلة والقلة، ويا معشر الأزد! أخليتم السفن، وركبتم الخيل، وقذفتم المرادي، وأخذتم الرماح، والله لأنا بمن معي من العجم أعز منكم!
فصاف القوم عنه، وصارت كلمتهم واحدة في الوثوب عليه، واجتمعوا إلى الحضين بن المنذر، فدعوه إلى القيام بجماعتهم، فقال: عليكم بوكيع بن