دعني أجمعها! قال: أين؟ قال: أسعى إلى الناس. قال: تأخذها منهم مرة أخرى؟ لا ولا نعمى عين. ثم ولى الجراح بن عبد الله الحكمي خراسان، وأمره أن يأخذ مخلد بن يزيد، فيستوثق منه استيثاقا لا يمنعه من الصلاة، فحبسه الجراح مكرما، ثم حمله إلى عمر، فدخل في ثياب مشمرة، وقلنسوة بيضاء، فقال له عمر: هذا خلاف ما بلغني عنك. فقال: أنتم الأئمة إذا أسبلتم أسبلنا، وإذا شمرتم شمرنا.
وحسنت سيرة الجراح وقدمت عليه وفود التبت يسألونه أن يبعث إليهم من يعرض عليهم الاسلام، فوجه إليهم السليط بن عبد الله الحنفي، ووجه عبد الله بن معمر اليشكري إلى ما وراء النهر، فلقي جمعا للترك فهزم. وانصرف ابن معمر.
وبلغ عمر عن الجراح أمور يكرهها من أنه يأخذ الجزية من قوم قد أسلموا، وانه يغزي موالي بلا عطاء، وانه يظهر العصبية، فكتب إليه: ان أقدم، واستخلف عبد الرحمن بن نعيم الغامدي، ففعل ذلك، ثم كتب عمر إلى عبد الرحمن بعهده على خراسان، ويأمره بإقفال من وراء النهر من المسلمين بذراريهم إلى مرو، فعرض ذلك عليهم، فأبوا عليه، فكتب إلى عمر انهم قد رضوا بالمقام، فحمد عمر ربه على ذلك.
وبلغ عمر ما فيه من في بلاد الروم مع مسلمة من الضرر والفاقة، فوجه عمرو بن قيس على الصائفة، ووجه معه الكساء والطعام والأعطية لمن كان مع مسلمة من المسلمين، فوجه عمر عبد العزيز بن حاتم بن النعمان الباهلي، فأوقع بالترك، فلم يفلت منهم إلا الشريد، وقدم على عمر منهم بخمسين أسيرا، فقال رجل من المسلمين لعمر في أسير منهم: لو رأيت هذا، يا أمير المؤمنين، يقتل المسلمين، لرأيت قتالا ذريعا. فقال: قم فاضرب عنقه.