رتبيل كتاب صلح، فإن تم أمرنا وقفنا عنه، ورقبنا له، وإن كانت الأخرى اتخذناه ملجأ. فتم رأي القوم على ذلك، وكتب بينه وبين رتبيل كتابا بهذا الشرط، وسار إلى العراق واستخلف على سجستان رجلا من قبله، وأقبل حتى صار إلى قرب الأهواز، فلما بلغ الحجاج أمره، وجه إليه عبد الله بن عامر بن صعصعة.
ثم خرج الحجاج في جيش حتى صار إلى الأهواز، ولقيه عبد الرحمن، فقاتله قتالا شديدا، فهزمه حتى رجع الحجاج إلى البصرة، ولحقه ابن الأشعث، فقاتله بالبصرة، فانهزم ابن الأشعث، فلما رأوا انهزامه إلى الكوفة أتوا عبد الرحمن بن العباس بن ربيعة الهاشمي، فقالوا: تركنا ولحق بالكوفة، وهذا الفاسق منيخ علينا. فبايعهم وسار إلى الحجاج، فقاتله بالزاوية، فهزمه الحجاج، فلحق بابن الأشعث بالكوفة.
وأقبل الحجاج من البصرة إلى ابن الأشعث فسلك في البرية حتى نزل قريبا منه، وخرج ابن الأشعث فنزل دير الجماجم، وجعلت خيلهما تروح وتغدو للقتال، وأهل الكوفة يستعلون على خيل الحجاج، ويهزمونهم في كل يوم، فاشتد على الحجاج ما رأى من ذلك، وكتب إلى عبد الملك كتابا بعث به بأحث سير: أما بعد فيا غوثاه، ثم يا غوثاه! فلما قرأ عبد الملك الكتاب كتب إليه:
أما بعد فيا لبيك، ثم يا لبيك، ثم يا لبيك! ثم وجه بجيش بعد جيش، وكانت وقائعهم كثيرة شديدة، أخراهن وقعة مسكن هزمه فيها الحجاج، فمضى منهزما لا يلوي على شئ حتى صار إلى سجستان، فأتى مدينة زرنج، فمنعه عبد الله بن عامر عامله من دخولها، فمضى إلى بست، وعليها عياض بن عمرو، فأدخله المدينة، ودبر أن يغدر به، ويتقرب به إلى الحجاج.
وكان مع عبد الرحمن جماعة من قراء العراق منهم الحسن البصري، وعامر ابن شراحيل الشعبي، وسعيد بن جبير، وإبراهيم النخعي، وجماعة من هذه الطبقة، فسار إلى رتبيل صاحب سجستان، فكانت هزيمته في سنة 83، وجعل الحجاج يتلقط أصحابه ويضرب أعناقهم، حتى قتل خلقا كثير، وعفا عن