ملابسهم بالاقتصاد، وممشاهم بالتواضع، ومنطقهم بالعمل، ومطعمهم ومشربهم بالطيب من الرزق، وخضوعهم بالطاعة لربهم تعالى، واستقادتهم للحق فيما أحبوا وكرهوا، وإعطاؤهم الحق من أنفسهم، ظمئت هواجرهم، ونحلت أجسامهم، واستخفوا بسخط المخلوقين لرضى الخالق، لم يفرطوا في غضب، ولم يحيفوا في جور، ولم يجاوزوا حكم الله في القرآن، شغلوا الألسن بالذكر، بذلوا لله دماءهم حين استنصرهم، وبذلوا لله أموالهم حين استقرضهم، لم يكن خوفهم من المخلوقين، حسنت أخلاقهم، وهانت مؤنتهم، وكفاهم اليسير من الدنيا إلى آخرتهم.
وقال محمد بن الحسين البرجلاني: حدثني نوح بن يحيى الزراد، قال: حدثنا قثم العابد، عن حمزة الأعمى، قال: ذهبت بي أمي إلى الحسن، فقالت: يا أبا سعيد، ابني هذا قد أحببت أن يلزمك، فلعل الله أن ينفعه بك، قال: فكنت أختلف إليه، فقال لي يوما: يا بني أدم الحزن على خير الآخرة، لعله أن يوصلك إليه، وابك في ساعات الخلوة لعل مولاك يطلع عليك فيرحم عبرتك، فتكون من الفائزين، قال: وكنت أدخل عليه منزله وهو يبكي، وآتيه مع الناس وهو يبكي، وربما جئت وهو يصلي، فأسمع بكاءه ونحيبه، قال: فقلت له يوما: يا أبا سعيد، إنك لتكثر من البكاء. قال: فبكى، ثم قال: يا بني، فما يصنع المؤمن إذا لم يبك، يا بني، إن البكاء داع إلى الرحمة فإن استطعت أن لا تكون عمرك إلا باكيا فافعل، لعله يراك على حالة فيرحمك بها، فإذا أنت قد نجوت من النار.