الفتح بن الماندائي، وذكر أنه سمع كتاب الصلة لتاريخ الأندلس من أبى القاسم بن بشكوال وإنه سمع من جماعة من أهل الأندلس غير أنى رأيت الناس مجمعين على كذبه وضعفه وادعائه لقاء من لم يلقه وسماع ما لم يسمعه، وكانت أمارات ذلك لائحة على كلامه وفى حركاته. وكان القلب يأبى سماع كلامه ويشهد ببطلان قوله، وكان يحكى من أحواله ويحرف في كلامه بما يظهر به كذبه. دخل ديار مصر وسكن القاهرة * وصادف قبولا من السلطان الملك الكامل محمد بن الملك العادل أبى بكر بن أيوب وأقبل عليه أقبالا عظيما، وكان يعظمه ويحترمه ويعتقد فيه ويتبرك به، وسمعت من يذكر أنه كان يسوى له المدارس حين يقوم، وكان صديقنا إبراهيم السنهوري المحدث صاحب الرحلة إلى البلاد قد دخل إلى بلاد الأندلس وذكر لمشايخها وعلمائها أن ابن دحية يدعى أنه قرأ على جماعة من شيوخ الأندلس القدماء، فأنكروا ذلك وأبطلوه وقالوا: لم يلق هؤلاء ولا أدركهم، وإنما اشتغل بالطلب أخيرا، وليس نسبه بصحيح فيما بقوله ودحية لم يعقب، فكتب السنهوري عصرا وأخذ خطوطهم فيه بذلك وقدم به ديار مصر، فعلم ابن دحية بذلك فاشتكى إلى السلطان منه. وقال: هذا يأخذ عرضي ويؤذيني، فأمر السلطان بالقبض عليه، وضرب وأشهر على حمار وأخرج من ديار مصر، وأخذ ابن دحية المحضر وخرقه، ولم يزل على قرب من السلطان إلى حين وفاته، وبنى (1) له دار للحديث كان يحدث بها، ولما أن دخلت إلى ديار مصر في رحلتي إليها فطلبني السلطان فحضرت عنده وكان يسألني عن أشياء من علم الحديث وأيام الناس، وأمرني بملازمة القلعة فكنت أحضر فيها كل يوم، وكان ابن دحية يحضر (2) في كل جمعة ويصلى عند السلطان، ويقرأ عليه شيئا من مجموعاته في مجلس السلطان وكنت حاضرا ولم يدر بيني وبينه كلمة واحدة ولا اجتمعت به في موضع آخر إلى أن خرجت من ديار مصر، وكان حافظا ماهرا في علم الحديث عارفا بفتونه حسن الكلام فيه فصيح العبارة تام المعرفة بالنحو واللغة، وله كتب نفيسة، وكان ظاهري المذهب، كثير الوقيعة في أئمة الجمهور وفى السلف من العلماء، خبيث اللسان أحمق، شديد الكبر، قليل النظر في الأمور الدينية، متهاونا في دينه.
حدثني علي بن الحسن أبو العلاء الأصبهاني صديقنا بها وناهيك به جلالة ونبلا،