وإن شئت سرا، فنظر الينا والى أصحابه، ثم قال: ما دون هؤلاء سر فقلنا له: رأيت الراكب الذي استقبلته عشاء أمس؟ فقال: نعم أردت مسألته، فقلنا له: - والله - قد استبرأنا لك خبره وكفيناك مسألته وهو امرؤ منا ذو رأي وصدق وعقل، وانه حدثنا: أنه لم يخرج من الكوفة حتى قتل مسلم وهاني، ورآهما يجران في السوق بأرجلهما. فقال (ع):
إنا لله وإنا إليه راجعون، رحمة الله عليهما - يردد ذلك مرارا - فقلنا له: تنشدك الله في نفسك وأهل بيتك إلا انصرفت من مكانك، فإنه ليس لك بالكوفة ناصر، بل نتخوف أن يكونوا عليك، فنظر إلى بني عقيل، فقال: ما ترون؟ فقد قتل مسلم، فقالوا: لا والله لا نرجع حتى نصيب ثارنا أو نذوق ما ذاق. فاقبل علينا الحسين - عليه السلام - فقال:
لا خير في العيش بعد هؤلاء، فعلمنا أنه قد عزم رأيه على المسير، فقلنا له: خار الله لك، فقال: رحمكم الله، فقال له أصحابه: إنك - والله - ما أنت مثل مسلم بن عقيل، ولو قدمت الكوفة لكان الناس إليك أسرع فسكت، ثم انتظر حتى إذا كان السحر قال لفتيانه وغلمانه: أكثروا الماء فاستقوا وأكثروا وارتحلوا، فسار حتى انتهى إلى (زبالة) (1) فاتاه خبر عبد الله بن يقطر، فاخرج إلى الناس كتابا، فقرأه عليهم:
" بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد فقد أتانا خبر فظيع، قتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة وعبد الله بن يقطر، وقد خذلنا شيعتنا فمن أحب منكم