وثالثا - بأن الكلام المنقول عن أيوب بن نوح - رحمه الله - هنا متدافع، فان حمدويه بن نصير حكى عنه أنه دفع إليه دفترا فيه أحاديث محمد بن سنان، وقال: إذا شئتم أن تكتبوا ذلك فافعلوا، فإني كتبت عن محمد بن سنان ولكن لا أروي لكم عنه شيئا. وعلل الامتناع بما حكاه عنه. والتدافع في ذلك ظاهر، فان دفع الدفتر الذي أخرجه إلى حمدويه، وقوله: (إذا شئتم أن تكتبوا ذلك فافعلوا) صريح في الرخصة. وقول حمدويه في روايته الأخرى -: (كتبت أحاديث محمد ابن سنان عن أيوب بن نوح) (1) واضح الدلالة على روايته له أحاديث ابن سنان، فلو كانت الرواية عنه محرمة غير جائزة كما ذكره لم يستقم ذلك.
وظني أن الرجل قد أصابته آفة الشهرة، فغمز عليه بعض من عانده وعاداه بالأسباب القادحة من الغلو والكذب، ونحوهما، حتى شاع ذلك بين الناس واشتهر ولم يستطع الأعاظم الذين رووا عنه كالفضل بن شاذان وأيوب بن نوح وغيرهما دفع ذلك عنه فحاولوا بما قالوا رفع الشنعة عن أنفسهم، كما يشهد به صدور هذه الكلمات المتدافعة عنهم، ثم سرى ذلك إلى المتأخرين الذين هم أئمة الفن، مثل الكشي والنجاشي والمفيد والشيخ وابن شهرا شوب والسيدين الجليلين ابني طاووس والعلامة وابن داود وغيرهم، فضعفته طائفة، ووثقته أخرى، واضطرب آخرون، فاختلف كلمتهم فيه، كما علمت ذلك مما نقلناه عنهم مفصلا، وفي أقل من هذا الاختلاف والاضطراب ما يمنع التعويل والاعتماد على ما قالوه (2)