ولا حميم ولا ناصر ولا مجير، فعليكم بالتخلية عن الأغراض المانعة من التوجه إلى الحق، والعلل الصارفة عن الرشد، ونزع النزوع إلي مذاهب الآباء والأجداد، والتوجه إلى رب العباد، والاجتهاد في طلب ما ينجى من عذاب يوم المعاد، وذلك يحتاج إلى رياضة للنفس نافعة، ومجاهدة لها ناجعة، وقد قال الله تعالى: " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا " وبذلك نطق كل كتاب منزل، وجاء به كل نبي مرسل، ودل عليه كل عقل سليم وهدي إليه كل نظر ثاقب مستقيم، فالله الله في عقائدكم فأصلحوها وفي أعمالكم فصححوها، وفي أنفسكم فانقذوها ولا تهلكوها فما لأحد غير نفسه عند فراق روحه وحلوله في رمسه، وما أريد بكلامي هذا الا النصح لكم ما استطعت، وان كنتم لا تحبون الناصحين.
فقالوا: كلامكم على أعيننا وفوق رؤوسنا، ونحن طالبون للحق راغبون في الصواب والصدق فقال لهم - أيده الله تعالى -: فما الباعث لكم على اختيار الملة اليهودية وترجيحها على الملة الاسلامية؟
فقالوا قد اتفق أصحاب الملل - وهم اليهود والنصارى والمسلمون - على نبوة موسى عليه السلام، وثبوت شريعته ونزول التوراة عليه واختلفوا في نبوة عيسى، ونبوة محمد (ص) وفي الإنجيل، والقرآن، فنحن أخذنا بالذي اتفق عليه الجميع، وتركنا ما اختفوا فيه.
فقال لهم - أيده الله تعالى -: إن المسلمين ما اعتقدوا بنبوة موسى وصدقه في دعواه إلا باخبار نبيهم الصادق الأمين، وذكره في كتابهم: القرآن المبين، ولولا ذلك ما اعترفوا بنبوة موسى وعيسى، ولا بالتوراة ولا بالإنجيل، وأيضا، فأنتم لا تقبلون شهادة النصارى، ولا المسلمين في شئ من الأشياء. فكيف تقبلون شهادتهم - وهم يشهدون عليكم بالكفر والزيغ