ثم كيف ظنت البنتان خلو العالم عن الرجال - مع علمهما بأن الهالك هم قوم لوط خاصة وقد علمتا أن إبراهيم عليه السلام وقومه في قرية " جيرون " ولم يكن بينهما وبينه إلا مقدار فرسخ واحد، وأن البلية لم تصبهم، وأن جميع العالم - سوى قوم لوط - منها سالمون. فهذا كذب ممزوج بحماقة مفرطة. ولو لم يكن إلا علمهما باطلاع أبيهما - على جلالة شأنه وقرب مكانه - لكفى ذلك حاجزا عن ارتكابهما لهذا الأمر الفظيع - على تقدير امكانه - فهذا ومثله مما وقع في توراتكم - يا معاشر اليهود - دليل على وقوع التحريف والزيادة فيها.
ولو أردنا تفصيل ما وقع في هذه التوراة من التناقض والاختلاف ومالا يليق بالباري عز وجل من الجسم، والصورة، والندم، والأسف والعجز والتعب، لطال الكلام ولم يسعه المقام.
ولكن أخبروني يا معاشر اليهود -: هل تخلو شريعة من الشرائع عن الصلاة؟.
فقالوا: لا، إن الصلاة ثابتة في جميع الشرائع، وما خلت شريعة منها فقال: أيد الله تعالى -: أخبروني عن صلاتكم هده: ما أصلها ومن أين مأخذها - وهذه التوراة، وهي خمسة أسفار قد سبرناها وعرفنا ما فيها سفرا، سفرا، فلم نحد للصلاة في شئ منها اسما ولا ذكرا.
فقال بعضهم: قد علم أمرها من فحوى الكلام، لا من صريحه فان التوراة قد اشتملت على الأمر بالذكر والدعاء.
فقال لهم - أيده الله تعالى - ليس الكلام في الذكر والدعاء، بل في خصوص هذه الصلاة المعهودة عندكم في ثلاثة أوقات: الصبح والعصر، والعشاء، وهي التي تسمونها: " تفلاه شحريت " و " تفلاه منحا " و " تفلاه عرب ". وأما الذكر والدعاء فكلاهما أمر عام لا يختص