عاد إلى النجف الأشرف - كما أتى - قبيل الفجر، يرافقه الواقع الذي يعيشه، وروحانية الله التي تحيطه، فينطلق - بدوره - إلى حظيرة الحرم العلوي المطهر، فيرد الحرم ورود ولد بار إلى والده العطوف، فهنالك اللقاء الواقعي، وهنالك التوجه النفسي، والفناء الروحي، بحيث قال عنه المترجمون له إنه كان كثيرا ما يسأل الإمام عليه السلام عما يختلج في نفسه من أمور الدين، وقضايا الساعة فيجاب بلا ستر وحجاب.
وعلى هذا اللون وشبهه كان يقضي غلب لياليه - خصوصا في أخريات أعوامه - ومن ذلك اشتهرت كراماته الباهرة، كقصة تشرفه بلقاء الحجة صاحب الأمر عليه السلام في مسجد السهلة. وقصة فتح باب الصحن والحرم الشريف له حين وروده إليه، وغير ذلك من الكرامات التي ذكرها عامة من ترجم له واشتهرت على السنة التأريخ في كل صوب وحدب.
هكذا، فليكن من عظم الخالق في نفسه، وصغر ما دونه في عينه.
مركزه الاجتماعي:
إن إدارة المجتمع - بحكم اختلاف طبقاته واتجاهاته - تحتاج إلى ذهنية حساسة، ومزاج خاص، وسلوك نموذجي دقيق، وهذه المؤهلات ربما لا ينهض بها إلا الأوحدي من الناس، فليست القصة. قصة علم وتقوى وشرف وسؤدد، وكرم وسخاء ولباقة وشجاعة فحسب.
وان قيادة المجتمع - وأخص القيادة الاسلامية - أن تتوفر بالقائد تلك الصفات النبيلة، بالإضافة إلى تحسسه العطوف بآلام المجتمع، وتفاؤله البناء لآماله وبالتالي فان حجر الزاوية، والسبب الأخير هو الفناء في الله - قولا وعملا - فان للقدر الحاسم واليد الغيبية أعمق الأثر في تركيز الزعيم الروحي في المجتمع الاسلامي " فالله اعلم حيث يجعل رسالته ".