والاتيان بمثله؟
فقال - أيده الله تعالى -: الفرق بين النسخ والإنساء: أن النسخ رفع الحكم، وان بقي لفظه، والإنساء: رفعه برفع لفظه الدال عليه وانساؤه: محوه من الخاطر بالكلية والمراد بالمثل: هو الحكم المماثل للأول بحسب المصلحة، بحيث يساوي مصلحته في زمانه مصلحة الأول في زمانه، لا أن تتساوى المصلحتان في زمن واحد، حتى يلزم خلو النسخ عن الفائدة.
فضحكوا وتعجبوا من جودة جوابه وحسن محاوراته في خطابه.
ثم قال لهم - أيده الله تعالى -: يا معاشر اليهود، لو علينا لكم ميلا واعتناء بطلب الحق لأتيناكم بالحجج الباهرة والبراهين القاهرة، لكني أنصحكم لاتمام الحجة، وأوصيكم بالانصاف وترك التقليد، واتباع الآباء والأجداد، وترك العصبية والحمية والعناد، فان الدنيا فانية منقطعة وكل نفس ذائقة الموت، ولابد لعباد الله من لقاء الله تعالى، وهو يوم عظيم ليس بعده إلا نعيم مقيم أو عذاب أليم، والعاقل من استعد لذلك اليوم واهتم به وشمر في هذه الدار التصحيح العقائد والقيام بما كلف به من الاعمال وتأمل في هذه الملل المختلفة والمذاهب المتشعبة، وأن الحق لا يكون في جهتين متناقضتين، ولا عذر لأحد قى تقليد أب ولا جد ولا الأخذ بمذهب أو ملة بغير دليل ولا حجة، فالناس من جهة الآباء والأجداد شرع سواء فلو كان ذلك منجيا لنجا الكل وسلم الجميع.
ويلزم من ذلك بطلان الشرائع والأديان، وتساوي الكفر والايمان، فان الكفار وعباد الأوثان يقتفون آثار آبائهم، ولا عذر لهم في ذلك، ولا ينجيهم التقليد من العطب والمهالك فانقذوا أنفسكم من عذاب النار وغضب الجبار، يوم تبلى السرائر وتهتك الاستار ولا ينفع هنالك شفيع