الباذخ، والتواضع الرفيع، والرحمة والعطف والحنان والدعة، والمرونة والأريحية، وحفض الجنان وكل ما يرفع بالإنسان - وهو يعيش في الأرض - إلى مرتبة الملك - وهو في السماء - ونستطيع القول: بأنه كان مدرسة أخلاق وتربية بالإضافة إلى كونه مدرسة علم وتقوى، يدرس الأمة فصولا من سلوكه الآلهي وخلقه النبوي، وسيره الاجتماعي الرفيع بين الناس - على اختلاف طبقاتهم - فينال كل انسان لديه ما ينتظره من العناية والرعاية:
بحيث يفارقه بالثناء الجميل والشكر الجزيل فكان - قدس سره - مثلا أعلى للاخلاق الاسلامية لا يجارى، منارا شاهقا للنبل والكرامة لا يدرك شأوه.
قد تكهرب بسلوكه الأخلاقي عامة تلاميذه ومن يتصل بواقعيته وأخذوا عن ذاته المقدسة دروسهم العلمية من حيث فنا الذات في حظيرة الواقع، حتى قال فيه تلميذه الأكبر - كاشف الغطاء - من قصيدة كبيرة:
جمعت من الاخلاق كل فضيلة * فلا فضل إلا عن جنابك صادر هيبة وجلالة:
يغضي حياء ويغضى من مهابته * فلا يكلم الا حين يبتسم يحدثنا الذين كتبوا عنه: أنه كان قليل الكلام - إلا في مسألة عملية أو ذكر الله تعالى - طويل الصمت، دائب التفكير، عميق الإطراقة نظره إلى الأرض أكثر من نظره إلى السماء، إذا جلس بين الناس فكهيئة المتشهد للصلاة، واضعا يديه على فخذيه، مطرقا برأسه، وبين آونة وأخرى يرفع بصره إلى الملأ ليجيبهم على سؤال وجه إليه، أو ليقول لهم أمرا يريد تنفيذه. وإذا مشى فعلى هيبة ووقار بحيث لا يلتفت إلى ورائه أو بين يديه إلا لأمر ضروري، قصير الخطو، متزن النقل، كأنما يريد