فمن ذلك أن القائلين بهذه المقالة إنما يقولون بها باتفاق منهم، حيث لا يوجد نص من قرآن أو سنة صحيحة على حسب اختلافهم في صفة ما يجب قبوله من السنن، وأما حيث يوجد نص قرآن أو سنة فلا يسع أحدا عندهم اجتهد في خلافها، بل هو مخطئ مخالفها عندهم.
قال أبو محمد: فإذا كان هذا قولهم فقد كفينا بحمد الله تعالى مؤونتهم، لأنه لا نازلة إلا وفيها نص موجود، ولو لم يكن كذلك لكان ذلك الحكم شرعا في الدين ليس من الدين، وهذا تناقض وموهوا أيضا بلفظه الاجتهاد فقالوا: هذا مما يسوغ فيه الاجتهاد، وهذا مما لا يسوغ فيه الاجتهاد.
قال أبو محمد: حقيقة الامر هي أنهم إن كانوا يعنون بالاجتهاد اجتهاد المرء نفسه في طلب حكم دينه في مظان وجوده - ولا مظان لوجود الدين إلا القرآن والسنن - فقد صدقوا، والاجتهاد المذكور فرض على كل أحد في كل شئ من الدين، فهو قولنا، وإن كانوا يعنون بالاجتهاد أن يقول برأيه ما أداه إليه ظنه، فهذا باطل لا يحل أصلا في شئ من الدين، وإيقاع لفظه الاجتهاد على هذا المعنى باطل في الديانة وباطل في اللغة، وتحريف للكلم عن مواضعه، ونعوذ بالله من هذا ومما يبطل قولهم - وإن كان فيما أوردنا كفاية - أنهم يقولون: إن كل قائل مجتهد فهو حق محق مصيب، ونحن نقول: إنهم في قولهم هذا مخطئون عند الله عز وجل بلا شك، وإنهم فيه على باطل، فإذا حكموا لنا بالصواب والصدق في قولنا، فقد أقروا ببطلان قولهم، لأننا محقون في قولنا أنهم مخطئون بإقرارهم، وفي هذا كفاية لمن عقل، ويقال لهم أفي المتكلمين في الفتيا أحد أخطأ أم لا؟ فإن قالوا لا، كابروا لان الحس يشهد بأن الخطأ موجود، وإن قالوا نعم، تركوا قولهم الفاسد إن كل مجتهد مصيب، ويسألون عن نهيه تعالى عن التفرق أنهي عن حق أم عن باطل؟ فإن قالوا: عن حق كفروا. وإن قالوا: نهي عن باطل، تركوا قولهم الفاسد، وكل آية تلوناها في باب ذم الاختلاف من كتابنا هذا فهي مبطلة لقولهم الفاسد في هذا الباب وبالله تعالى التوفيق.
ومن ذلك قوله تعالى: * (فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) * فلم يطلق لنا تعالى البقاء على التنازع وأمرنا بالرد