وقال ابن عباس: ما بعث محمد صلى الله عليه وسلم إلا محرما ومحللا. قال ذلك لانسان سمعه يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الضب: لا أحله ولا أحرمه فقال له ابن عباس ما ذكرنا أو كلاما هذا معناه، فانقطع واحتج بعضهم باستخلاف أبي بكر على القضاء زيد بن ثابت، وهو مخالفه في أقضية كثيرة.
قال أبو محمد: وهذا لا حجة لهم فيه، لأننا لا نقلد أبا بكر ولا غيره، وهم يخالفون أبا بكر في عدة قضايا بلا دليل، فلا ينكروا علينا خلافه حيث قام الدليل على خلاف قوله، وقال بعضهم: لو كان الله تعالى كلفنا إصابة الحق وإدراك الصواب لكان تعالى قد كلفنا ما لا نطيق.
قال أبو محمد: وهذا تمويه ضعيف، وكذب القائل ما ذكرنا وما كلفنا عز وجل من ذلك إلا ما نطيق، لأنه قد أدرك الصواب كثير من الناس ووجدوه وجودا صحيحا أيقنوا فيه أنهم محقون، وما أمكن بعضنا فهو لسائرنا ممكن وما توفيقنا إلا بالله تعالى، وقال بعضهم: لو كان الناس مكلفين عين الصواب لكان على من خالفه الإعادة لكل ما عمل بغير الحق.
قال أبو محمد: أما ما كان من الشرائع مرتبطا بوقت محدود الأول والآخر، فلا إعادة على من تركه أصلا، إلا حيث جاء النص بإعادته، لأنه لا سبيل إلى رجوع وقت تلك الشريعة، وهي لم نؤمر بها إلا في ذلك الوقت، فلا سبيل إلى أدائها، إذ لا سبيل إلى الوقت الذي لا تؤدى إلا فيه كالصلاة وما أشبهها، والصيام ونحوه فلا يقضي شيئا من ذلك لا جاهل ولا عامد ولا متأول، حاشى الناسي والنائم للصلاة، وحاشا المريض والمسافر والمتقيئ عمدا للصوم فقط، وأما ما كان مرتبطا بوقت محدود الأول غير محدود الآخر، أو كان غير مرتبط بوقت فهو مؤدى أبدا، ومعاد، ولا بد كإنسان جهل الزكاة في البر فبقي سنين مسلما مالكا لمقدار تجب فيه الزكاة منه، ثم علم بعد ذلك فعليه الزكاة للسنين الخالية، وكإنسان لم يعلم أن السلم في غير المكيل والموزون لا يجوز، فسلم سنين جمة في حيوان، أو فيما لا يكال ولا يوزن، ثم علم فعليه فسخ كل ما أخذ من ذلك ورده إلى أربابه، والحكم فيه كحكم الغاصب فيما بيده إذا تاب ولا فرق، وكإنسان أداه اجتهاده إلى أنه لا نفقة لموروثه وذي رحمه المحرمة عليه، فأقام كذلك عشرات سنين، ثم علم فهي دين عليه يؤديها