الاحكام - ابن حزم - ج ٥ - الصفحة ٦٦٢
وخديجة رضي الله عنهما فقط، فكانا هم الجماعة، وكان سائر أهل الأرض - غيرهما وغير رسول الله صلى الله عليه وسلم - أهل الشذوذ، وفرقة وهذا الذي قلنا، لا خلاف فيه بين العلماء، وكل من خالف فهو راجع إليه ومقربه شاء أو أبى، والحق هو الأصل الذي قامت السماوات والأرض به قال الله تعالى: * (وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق) * فإذا كان الحق هو الأصل فالباطل خروج عنه، وشذوذ منه فلما لم يجز أن يكون الحق شذوذا. وليس إلا حق أو باطل صح أن الشذوذ هو الباطل، وهذا تقسيم أوله ضروري وبرهان قاطع كاف ولله الحمد.
ويسأل من قال: إن الشذوذ هو مفارقة الواحد للجماعة: ما تقول في خلاف الاثنين للجماعة؟ فإن قال: هو شذوذ، سئل عن خلاف الثلاثة للجماعة، ثم يزاد واحدا واحدا هكذا أبدا، فلا بد له من أحد أمرين: إما أن يجد عددا ما بأنه شذوذ، وإن ما زاد عليه ليس شذوذا، فيأتي بكلام فاسد لا دليل عليه، فيصير شاذا على الحقيقة، أو يتمادى حتى يخرج عن المعقول وعن إجماع الأمة فيصير شاذا على الحقيقة أيضا، ولا بد له من ذلك، وبالله تعالى التوفيق.
فكل من أداه البرهان من النص أو الاجماع المتيقن إلى قول ما، ولم يعرف أحد قبله قال بذلك القول، ففرض عليه القول بما أدى إليه البرهان، ومن خالفه فقد خالف الحق، ومن خالف الحق فقد عصى الله تعالى، قال تعالى: * (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) * ولم يشترط تعالى في ذلك أن يقول به قائل قبل القائل به، بل أنكر تعالى ذلك على من قاله، إذ يقول عز وجل حاكيا عن الكفار منكرا عليهم أنهم قالوا: * (ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق) *.
قال أبو محمد: ومن خالف هذا فقد أنكر على جميع التابعين، وجميع الفقهاء بعدهم، لان المسائل التي تكلم فيها الصحابة رضي الله عنهم من الاعتقاد أو الفتيا فكلها محصور مضبوط، معروف عند أهل النقل من ثقات المحدثين وعلمائهم، فكل مسألة لم يرو فيها قول عن صاحب، لكن عن تابع فمن بعده، فإن ذلك التابع قال في تلك المسألة بقول لم يقله أحد قبله بلا شك، وكذلك كل مسألة لم يحفظ فيها قول عن صاحب ولا تابع، وتكلم فيها الفقهاء بعدهم فإن ذلك الفقيه قد قال في تلك المسألة بقول لم يقله أحد قبله، ومن ثقف هذا الباب فإنه يجد لأبي حنيفة
(٦٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 657 658 659 660 661 662 663 664 665 666 667 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الباب الثالث والعشرون في استصحاب الحال، وبطلان جميع العقود والعهود والشروط إلا ما أوجبه منها قرآن، أو سنة عن رسول الله (ص) ثابته 590
2 الباب الرابع والعشرون وهو باب الحكم بأقل ما قيل 630
3 الباب الخامس والعشرون في ذم الاختلاف 642
4 الباب السادس والعشرون في أن الحق في واحد وسائر الأقوال كلها باطل 647
5 الباب السابع والعشرون في الشذوذ 661
6 الباب الثامن والعشرون في تسمية الصحابة الذين رويت عنهم الفتيا وتسمية الفقهاء المذكورين في الاختلاف بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم 663
7 الباب التاسع والعشرون في الدليل 676
8 الباب الموفي ثلاثين في لزوم الشريعة الإسلامية لكل مؤمن وكافر في الأرض ووقت لزوم الشرائع للإنسان 678
9 الباب الحادي والثلاثون في صفه التفقه في الدين، وما يلزم كل امرئ طلبه من دينه، وصفته المفتى الذين له أن يفتى في الدين، وصفة الاجتهاد الواجب على أهل الإسلام 689
10 الباب الثاني والثلاثون في وجوب النيات في جميع الأعمال والفرق بين الخطأ الذي تعمد فعله ولم يقصد به خلاف ما أمر وبين الخطأ الذين لم يتعمد فعله وبين العمل المصحوب بالقصد إليه، وحيث يلحق عمل المرء غيره بأجر أو اثم وحيث لا يلحق 706
11 الباب الثالث والثلاثون في شرائع الأنبياء عليهم السلام قبل محمد (صلى الله عليه وآله) أيلزمنا إتباعها ما لم ننه عنها أم لا يجوز لنا اتباع شئ منها أصلا إلا ما كان منها في شريعتنا وأمرنا نحن به نصا باسمه فقط؟ 722