إلى النص والاخذ به، وأيضا فإن الدين ليس موكولا إلى ما أراد القائلون أن يقولوه وقائل هذا كافر، وإنما الدين مردود إلى نص إجماع، فمن خالف الوجه في ذلك فهو مخطئ. وأيضا فإن الله تعالى يقول: * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها) * وليس في الوسع أن يعتقد أحد كون شئ واحد حراما حلالا في وقت واحد على إنسان واحد، ولا أن الدين ينتقل حكمه من تحليل إلى تحريم إذا حرم الشئ مفت ما وحلله مفت آخر.
وأيضا فإن المفتي ليس له أن يشرع، ولا أن يحلل ولا أن يحرم، وإنما عليه أن يخبر عن الله تعالى بحكمه في هذه النازلة، ومن المحال أن يكون حكم الله تعالى فيها غير مستقر، إما بتحليل، وإما بتحريم، وإما بوجوب. قوله تعالى: * (اليوم أكملت لكم دينكم) * مبين أن الحكم قد استقر في كل نازلة، إما بتحريم، وإما بتحليل، وإما بإيجاب، ومن حلل وحرم باختلاف الفقهاء، فقد أقر أنهم يحرمون ويحللون ويوجبون، فهذا كفر ممن اعتقده، وقوله تعالى: * (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب) * مبطل لقول من قال:
إن الشئ يكون حراما حلالا باختلاف الفقهاء فيه، ومخبر أن قائل ذلك كاذب، وأنه ما حرم الله تعالى فهو حرام لا حلال، وما أحله تعالى فهو حلال لا حرام، وكذلك القول فيما أوجب تعالى. وقال صلى الله عليه وسلم: إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس فلو لم يكن علينا إصابة الحق، وكنا لا يلزمنا شئ إلا الاجتهاد فقط - لكان كل أحد من الناس عالما بحكم تلك المشتبهات، بل كانوا ناقلين بأقوالهم للحرام البين إلى التحليل، وللحلال البين إلى التحريم وهذا كفر وتكذيب للنبي صلى الله عليه وسلم.
فصح لما ذكرنا أن من لم يعلم تلك المشتبهات فقد جهلها، ومن جهلها فقد أخطأها ولم يصب الحق فيها، وصح أن القائل في الحرام: أنه حلال أو في الحلال أنه حرام مخطئ بيقين لا شك فيه، وبالله تعالى التوفيق.
ويلزم من قال: إن كل قائل مجتهد مصيب - أن يقول: إن من قال: إن المتأولين كفار أن يكون محقا صادقا، وأن يقول: إن من قال إنهم مؤمنون فساق