الاحكام - ابن حزم - ج ٥ - الصفحة ٦٥٩
إلى النص والاخذ به، وأيضا فإن الدين ليس موكولا إلى ما أراد القائلون أن يقولوه وقائل هذا كافر، وإنما الدين مردود إلى نص إجماع، فمن خالف الوجه في ذلك فهو مخطئ. وأيضا فإن الله تعالى يقول: * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها) * وليس في الوسع أن يعتقد أحد كون شئ واحد حراما حلالا في وقت واحد على إنسان واحد، ولا أن الدين ينتقل حكمه من تحليل إلى تحريم إذا حرم الشئ مفت ما وحلله مفت آخر.
وأيضا فإن المفتي ليس له أن يشرع، ولا أن يحلل ولا أن يحرم، وإنما عليه أن يخبر عن الله تعالى بحكمه في هذه النازلة، ومن المحال أن يكون حكم الله تعالى فيها غير مستقر، إما بتحليل، وإما بتحريم، وإما بوجوب. قوله تعالى: * (اليوم أكملت لكم دينكم) * مبين أن الحكم قد استقر في كل نازلة، إما بتحريم، وإما بتحليل، وإما بإيجاب، ومن حلل وحرم باختلاف الفقهاء، فقد أقر أنهم يحرمون ويحللون ويوجبون، فهذا كفر ممن اعتقده، وقوله تعالى: * (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب) * مبطل لقول من قال:
إن الشئ يكون حراما حلالا باختلاف الفقهاء فيه، ومخبر أن قائل ذلك كاذب، وأنه ما حرم الله تعالى فهو حرام لا حلال، وما أحله تعالى فهو حلال لا حرام، وكذلك القول فيما أوجب تعالى. وقال صلى الله عليه وسلم: إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس فلو لم يكن علينا إصابة الحق، وكنا لا يلزمنا شئ إلا الاجتهاد فقط - لكان كل أحد من الناس عالما بحكم تلك المشتبهات، بل كانوا ناقلين بأقوالهم للحرام البين إلى التحليل، وللحلال البين إلى التحريم وهذا كفر وتكذيب للنبي صلى الله عليه وسلم.
فصح لما ذكرنا أن من لم يعلم تلك المشتبهات فقد جهلها، ومن جهلها فقد أخطأها ولم يصب الحق فيها، وصح أن القائل في الحرام: أنه حلال أو في الحلال أنه حرام مخطئ بيقين لا شك فيه، وبالله تعالى التوفيق.
ويلزم من قال: إن كل قائل مجتهد مصيب - أن يقول: إن من قال: إن المتأولين كفار أن يكون محقا صادقا، وأن يقول: إن من قال إنهم مؤمنون فساق
(٦٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 654 655 656 657 658 659 660 661 662 663 664 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الباب الثالث والعشرون في استصحاب الحال، وبطلان جميع العقود والعهود والشروط إلا ما أوجبه منها قرآن، أو سنة عن رسول الله (ص) ثابته 590
2 الباب الرابع والعشرون وهو باب الحكم بأقل ما قيل 630
3 الباب الخامس والعشرون في ذم الاختلاف 642
4 الباب السادس والعشرون في أن الحق في واحد وسائر الأقوال كلها باطل 647
5 الباب السابع والعشرون في الشذوذ 661
6 الباب الثامن والعشرون في تسمية الصحابة الذين رويت عنهم الفتيا وتسمية الفقهاء المذكورين في الاختلاف بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم 663
7 الباب التاسع والعشرون في الدليل 676
8 الباب الموفي ثلاثين في لزوم الشريعة الإسلامية لكل مؤمن وكافر في الأرض ووقت لزوم الشرائع للإنسان 678
9 الباب الحادي والثلاثون في صفه التفقه في الدين، وما يلزم كل امرئ طلبه من دينه، وصفته المفتى الذين له أن يفتى في الدين، وصفة الاجتهاد الواجب على أهل الإسلام 689
10 الباب الثاني والثلاثون في وجوب النيات في جميع الأعمال والفرق بين الخطأ الذي تعمد فعله ولم يقصد به خلاف ما أمر وبين الخطأ الذين لم يتعمد فعله وبين العمل المصحوب بالقصد إليه، وحيث يلحق عمل المرء غيره بأجر أو اثم وحيث لا يلحق 706
11 الباب الثالث والثلاثون في شرائع الأنبياء عليهم السلام قبل محمد (صلى الله عليه وآله) أيلزمنا إتباعها ما لم ننه عنها أم لا يجوز لنا اتباع شئ منها أصلا إلا ما كان منها في شريعتنا وأمرنا نحن به نصا باسمه فقط؟ 722