ويسألون عن فقيهين، رأى أحدهما إباحة دم إنسان، ورأى الآخر تحريمه، ورأى أحدهما تارك الصلاة كافرا، ولم يره الآخر كافرا، ورأى أحدهما الساحر كافرا، ولم يره الآخر كافرا، فإن أطلقوا أن كل ذلك حق عند الله عز وجل لحقوا بالمجانين، وجعلوا إنسانا واحدا كافرا في جهنم مخلدا أبد الأبد، مؤمنا في الجنة مخلدا أبد الأبد، وهذا غاية الجنون، وليس هذا الباب من نوع ما أمرنا بإعطائه وحرم على الآخذ أخذه، فهذان حكمان على إنسانين مختلفين، كسائل سأل وهو غني فأعطاه المسؤول، فالمعطي محسن مأجور، والآخذ فاسق عاص آكل سحتا، وكذلك فادي الأسير ومعطي الرشوة في دفع مظلمة. وقد جاء النص بذلك في نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن المسألة.
وقالوا أيضا: ما تقولون فيمن صلى أربعا وشك أصلى ثلاثا أم أربعا، فأنتم تأمرونه بأن يصلي حتى يكون على يقين من أنه صلى أربعا، فقد أمرتموه بركعة خامسة، فأنتم قد أمرتموه بالخطأ. فالجواب وبالله تعالى التوفيق: إننا لم نأمره قط بأن يصلي خامسة، وإنما أمرناه أن يصلي أربعا لا أكثر، والخامسة التي زاد فيها هو فيها مخطئ بلا شك عند الله عز وجل. وما أمر بها قط وهو يدري أنها خامسة، ولكن أمر بها يقينا إذا لم يدر أنها خامسة والاثم عنه مرفوع فيها، ولسنا ننكر رفع المأثم، وإنما ننكر رفع الخطأ في الباطن، فلو لم يصل الخامسة وهو غير موقن بأنه صلى أربعا لكان مفسدا لصلاته، لأنه لم يصل الخامسة التي أمر بصلاتها، ومن باب إقدامه على ترك إتمام صلاته قبل أن يوقن بتمامها، فهما شيئان متغايران دخل الغلط على من أراد مزجهما.
وهكذا القول في الاجتهاد في القبلة إنما هو مأمور بمقابلة المسجد الحرام فقط، وغير مأمور بالصلاة إلى جهة غيرها، لكن الاثم عنه مرتفع إن وافق غيرها باجتهاده، وهو مخطئ وغير مأجور في ذلك، وإنما يؤجر على اجتهاده لا على ما أداه إليه الاجتهاد إلا أن يكون يؤديه إلى حق فحينئذ يؤجر أجرين أجرا على الطلب وأجرا على الإصابة، ولسنا نقول: إن كل مجتهد فهو مأمور بما أداه إليه اجتهاده بل هذا عين الخطأ، ولكنا نقول: كل مجتهد فهو مأمور بالاجتهاد