الاحكام - ابن حزم - ج ٥ - الصفحة ٦٤٩
لا يصلي أحد العصر إلا في بني قريظة فصلى قوم العصر إذ دخل وقتها قبل أن يبلغوا بني قريظة، وقالوا: لم يرد منا هذا، وأخرها آخرون حتى صلوها في بني قريظة مع الليل، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنف إحدى الطائفتين.
قال أبو محمد: وهذا لا حجة لهم فيه، لان المجتهد المخطئ لا يعنف، وكانت صلاة من صلى أمرا قد فات فلا وجه لتعنيفهم، ولكن الصواب بلا شك في فعل إحدى الطائفتين، ولو كنا معه ما صلينا العصر إلا في بني قريظة معه ولو نصف الليل، وقد ذكرنا أيضا الكلام في هذا الحديث في باب الكلام في الأوامر الواردة في القرآن والحديث، وحملها على ظاهرها وعلى الوجوب والفور في قرب آخر ذلك الباب قبل فصل ترجمته (كيفية ورود الأوامر).
حدثنا النباتي، نا ابن عون الله، نا قاسم بن أصبغ، ثنا الخشني، نا بندار، ثنا ابن أبي عدي، ثنا شعبة عن طارق بن عبد الله، عن طارق بن شهاب قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: إني أجنبت فلم أصل قال: أصبت، وأتاه رجل فقال: إني أجنبت فتيممت وصليت، فقال: أصبت.
قال أبو محمد: وهذا كالأول سواء بسواء، لان كل مجتهد معذور ومأجور، لان الذي سأل أولا لم يكن عنده أمر التيمم بلا شك، ومن هذه صفته فحكمه أن لا يصلي أصلا وهو جنب حتى يتطهر، والثاني كان عالما بالتيمم فأدى فرضه كما يلزمه، وكان حكمهما مختلفا لا متفقا، وكلاهما أصاب وجه العمل فيما عليه بقدر علمه، ولم ننكر هذا، إنما أنكرنا أن يكون الشئ حقا باطلا من وجه واحد في وقت واحد.
وقالوا: إن كان مخالفكم مخطئا ففسقوه كما يفسق الخوارج.
قال أبو محمد: فالجواب وبالله تعالى التوفيق: إننا لا نفسق الخوارج ولا غيرهم، ولكنا نقول: من قامت عليه الحجة بحديث لا معارض له، أو آية لا معارض لها، أو برهان ضروري فتمادى على قوله المخالف للحق، أو تناقض فاحتج في مكان مما لا يصح مثله في غير ذلك المكان، وبنى عليه ذلك فتمادى على قوله الفاسد في فتيا
(٦٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 644 645 646 647 648 649 650 651 652 653 654 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الباب الثالث والعشرون في استصحاب الحال، وبطلان جميع العقود والعهود والشروط إلا ما أوجبه منها قرآن، أو سنة عن رسول الله (ص) ثابته 590
2 الباب الرابع والعشرون وهو باب الحكم بأقل ما قيل 630
3 الباب الخامس والعشرون في ذم الاختلاف 642
4 الباب السادس والعشرون في أن الحق في واحد وسائر الأقوال كلها باطل 647
5 الباب السابع والعشرون في الشذوذ 661
6 الباب الثامن والعشرون في تسمية الصحابة الذين رويت عنهم الفتيا وتسمية الفقهاء المذكورين في الاختلاف بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم 663
7 الباب التاسع والعشرون في الدليل 676
8 الباب الموفي ثلاثين في لزوم الشريعة الإسلامية لكل مؤمن وكافر في الأرض ووقت لزوم الشرائع للإنسان 678
9 الباب الحادي والثلاثون في صفه التفقه في الدين، وما يلزم كل امرئ طلبه من دينه، وصفته المفتى الذين له أن يفتى في الدين، وصفة الاجتهاد الواجب على أهل الإسلام 689
10 الباب الثاني والثلاثون في وجوب النيات في جميع الأعمال والفرق بين الخطأ الذي تعمد فعله ولم يقصد به خلاف ما أمر وبين الخطأ الذين لم يتعمد فعله وبين العمل المصحوب بالقصد إليه، وحيث يلحق عمل المرء غيره بأجر أو اثم وحيث لا يلحق 706
11 الباب الثالث والثلاثون في شرائع الأنبياء عليهم السلام قبل محمد (صلى الله عليه وآله) أيلزمنا إتباعها ما لم ننه عنها أم لا يجوز لنا اتباع شئ منها أصلا إلا ما كان منها في شريعتنا وأمرنا نحن به نصا باسمه فقط؟ 722