لا يصلي أحد العصر إلا في بني قريظة فصلى قوم العصر إذ دخل وقتها قبل أن يبلغوا بني قريظة، وقالوا: لم يرد منا هذا، وأخرها آخرون حتى صلوها في بني قريظة مع الليل، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنف إحدى الطائفتين.
قال أبو محمد: وهذا لا حجة لهم فيه، لان المجتهد المخطئ لا يعنف، وكانت صلاة من صلى أمرا قد فات فلا وجه لتعنيفهم، ولكن الصواب بلا شك في فعل إحدى الطائفتين، ولو كنا معه ما صلينا العصر إلا في بني قريظة معه ولو نصف الليل، وقد ذكرنا أيضا الكلام في هذا الحديث في باب الكلام في الأوامر الواردة في القرآن والحديث، وحملها على ظاهرها وعلى الوجوب والفور في قرب آخر ذلك الباب قبل فصل ترجمته (كيفية ورود الأوامر).
حدثنا النباتي، نا ابن عون الله، نا قاسم بن أصبغ، ثنا الخشني، نا بندار، ثنا ابن أبي عدي، ثنا شعبة عن طارق بن عبد الله، عن طارق بن شهاب قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: إني أجنبت فلم أصل قال: أصبت، وأتاه رجل فقال: إني أجنبت فتيممت وصليت، فقال: أصبت.
قال أبو محمد: وهذا كالأول سواء بسواء، لان كل مجتهد معذور ومأجور، لان الذي سأل أولا لم يكن عنده أمر التيمم بلا شك، ومن هذه صفته فحكمه أن لا يصلي أصلا وهو جنب حتى يتطهر، والثاني كان عالما بالتيمم فأدى فرضه كما يلزمه، وكان حكمهما مختلفا لا متفقا، وكلاهما أصاب وجه العمل فيما عليه بقدر علمه، ولم ننكر هذا، إنما أنكرنا أن يكون الشئ حقا باطلا من وجه واحد في وقت واحد.
وقالوا: إن كان مخالفكم مخطئا ففسقوه كما يفسق الخوارج.
قال أبو محمد: فالجواب وبالله تعالى التوفيق: إننا لا نفسق الخوارج ولا غيرهم، ولكنا نقول: من قامت عليه الحجة بحديث لا معارض له، أو آية لا معارض لها، أو برهان ضروري فتمادى على قوله المخالف للحق، أو تناقض فاحتج في مكان مما لا يصح مثله في غير ذلك المكان، وبنى عليه ذلك فتمادى على قوله الفاسد في فتيا