عليه، وقد سبق بيان السر في ذلك في بحوث التمهيد وغيرها.
والنسبة هنا بين حديث لا ضرر وأي دليل من الأدلة الأولية، هي نسبة العموم من وجه، فوجوب الوضوء مثلا، بمقتضى إطلاقه شامل لما كان ضرريا وغير ضرري، وأدلة لا ضرر شاملة للوضوء الضرري وغير الوضوء، فالوضوء الضرري مجمع للحكمين معا، ومقتضى القاعدة التعارض بينهما والتساقط، ولا وجه لتقديم أحدهما على الآخر لأن نسبة العامين إلى موضع الالتقاء من حيث الظهور نسبة واحدة.
والظاهر أن الطوفي - بحاسته الفقهية - أدرك تقديم هذا الدليل على الأدلة الأولية وإن لم يدرك السر في ذلك.
والسر هو ما سبق أن ذكرناه من حكمة هذا النوع من الأدلة على الأدلة الأولية لما فيه من شرح وبيان لها، فكأنه يقول بلسانه إن ما شرع لكم من الأحكام هو مرفوع عنكم إذا كان ضرريا، فهو ناظر إليها ومضيق لها.
وما دام لسانه لسان شرح وبيان فلا معنى لملاحظة النسبة بينه وبين غيره من الأدلة.
2 - اعتقاده أن بين الضرر والمصلحة نسبة التناقض، ولذلك رتب على انتفاء أحدهما ثبوت الآخر لإستحالة ارتفاع النقيضين مع أن الضرر معناه لا يتجاوز النقص في المال أو العرض أو البدن وبينه وبين المصلحة واسطة، فالتاجر الذي لم يربح في تجارته ولم يخسر فيها لا يتحقق بالنسبة إليه ضرر ولا منفعة فهما إذن من قبيل الضدين اللذين لهما ثالث، ومتى حصلت واسطة بينهما فانتفاء أحدهما لا يستلزم ثبوت الآخر، وعلى هذا المعنى يبتنى ثبوت المباح، وهو الذي لا ضرر ولا مصلحة فيه.
وإذن فانتفاء الضرر هنا لا يستلزم ثبوت المصلحة، ومن هنا قلنا: إن حديث لا ضرر رافع للتكليف لا مشرع، فهو لا يتعرض إلى أكثر من ارتفاع الأحكام الضرورية عن موضوعاتها، أما إثبات أحكام أخر فلا يتعرض لها، وإنما المرجع فيها إلى أدلتها الأخرى.