وسائس العباد في البلاد وهو بما ان له السلطنة والحكومة، يرسل سرية ويأمر بالجهاد ويعد القوة ويقضى على المتخلف إلي غير ذلك من شؤون الحكومة الإلهية في الخلق، والفرق بين المقامين أوضح من أن يخفى، فإنه صلى الله عليه وآله بما انه نبي ورسول ليس له أمر ولا نهى، ولا بعث ولا زجر بل كلما يأمر به أو ينهى عنه فارشاد إلى امره تعالى ونهيه فلو أطاع المكلف أو عصى، فإنما أطاع أمر الله ونهيه، وهكذا إذا عصى تكاليفه، واما بالنسبة إلى رسوله ومبلغ احكامه فليس له في ميادين التشريع أمر ولا نهى حتى يتصور الإطاعة والعصيان بالنسبة إليه، فمثل الرسول وأوصيائه في تبليغ احكامه كمثل الفقهاء بالنسبة إلى مقلديهم في أنهم أمناء الله في نشر احكامه و بسط تكاليفه، من دون أن يكون لهم مولوية بالنسبة إلى ما يبلغونه، فلو قال الامام:
اغسل ثوبك من أبوال مالا يؤكل لحمه، فهو وإن كان بصورة الامر لكنه ارشاد إلى الامر الإلهي وانه تعالى أمر بكذا أو امرني بتبليغه، وما على الرسول الا البلاغ، فهكذا إذا تفوه به المقلد.
واما إذا أمر بما انه سائس الأمة وسلطانها، فيجب اطاعته ويحرم مخالفته فلو خالف فإنما خالف أمر الرسول ونهيه، ولو أطاع فقد اطاعه، والاطاعة والعصيان عندئذ ينسب إلى الرسول ابتداءا ويكون أوامرها ونواهيها (ح) مولوية ذات إطاعة وعصيان، من دون أن يكون ارشادا إلى حكم إلهي، أو إلى بعثه وزجره وإن كانت هذه السلطنة مجعولة من الله تعالى بالنسبة إليه، لكن الامر والجعل بعدما تم واستتم، يكون صاحب المقام ذا دستور وامر وزجر مستقلا، والى ذلك يشير قوله تعالى: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، فامر بإطاعة أولي الأمر بما انهم أولياء الأمة كما أنه أمر بإطاعة رسوله وإطاعة نفسه والى ذلك ينظر قوله عز وجل:
وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من امرهم و من يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا بعيدا. إلى غير ذلك من الآيات (الثالث) مقام القضاوة وفصل الخصوصة عند التنازع في مال أو حق أو ميراث وأشباهه، فهو يحكم ويفصل ويقضى ويبرم بما انه قاضي الأمة، وحاكمها الشرعي في الأمور الحسبية، ويكون ما