أي دخل ظلامه في كل شيء لأن حدوثه فيه أكثر والتحرز منه أصعب وأعسر ولذلك قيل الليل أخفى للويل وقيل الغاسق هو القمر إذا امتلأ ووقوبه دخوله في الخسوف واسوداده لما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فأشار إلى القمر فقال تعوذي بالله تعالى من شر هذا الغاسق إذا وقب وقيل التعبير عن القمر بالغاسق لأن جرمه مظلم وإنما يستنير بضوء الشمس ووقوبه المحاق في آخر الشهر والمنجمون يعدونه نحسا ولذلك لا يشتغل السحرة بالسحر المورث للتمريض إلا في ذلك الوقت قيل وهو المناسب لسبب النزول وقيل الغاسق الثريا و وقوبها سقوطها لأنها إذا سقطت كثرت الأمراض والطواعين وقيل هو كل شر يعتري الإنسان ووقوبه هجومه «ومن شر النفاثات في العقد» أي ومن شر النفوس أو النساء السواحر اللاتي يعقد عقدا في خيوط وينفثن عليها والنفث النفخ مع ريق وقيل بدون ريق وقرئ النافثات كما قرىء النفثات بغير ألف وتعريفها إما للعهد أو للإيذان بشمول الشر لجميع أفرادهن وتمحضهن فيه وتخصيصه بالذكر لما روى ابن عباس وعائشة رضي الله عنهم أنه كان غلام من اليهود يخدم النبي صلى الله عليه وسلم وكان عنده أسنان من مشطه صلى الله عليه وسلم فأعطاها لليهود فسحروه عليه السلام فيها وتولاه لبيد بن الأعصم اليهودي وبناته وهن النافثات في العقد فدفنها في بئر أريس فمرض النبي صلى الله عليه وسلم فنزل جبريل عليه السلام بالمعوذتين وأخبره بموضع السحر وبمن سحره وبم سحره فأرسل صلى الله عليه وسلم عليا كرم الله وجهه والزبير وعمارا رضي الله عنهما فنزحوا ماء البئر فكأنه نقاعة الحناء ثم رفعوا راعوثة البئر وهي الصخرة التي توضع في أسفل البئر فأخرجوا من تحتها الأسنان ومعها وتر قد عقد فيه إحدى عشرة عقدة مغرزة بالإبرة فجاؤوا بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يقرأ المعوذتين عليها فكان كلما قرأ آية انحلت عقدة ووجد صلى الله عليه وسلم خفة حتى انحلت العقدة الأخيرة عنه تمام السورتين فقام صلى الله عليه وسلم كأنما أنشط من عقال فقالوا يا رسول الله أفلا نقتل الخبيث فقال صلى الله عليه وسلم أما أنا فقد عافاني الله عز وجل وأكره أن أثير على الناس شرا قالت عائشة رضي الله عنها ما غضب النبي صلى الله عليه وسلم غضبا ينتقم لنفسه قط إلا أن يكون شيئا هو لله تعالى فيغضب لله وينتقم وقيل المراد بالنفث في العقد إبطال عزائم الرجال بالحيل ومستعار من تليين العقدة بنفث الريق ليسهل حلها «ومن شر حاسد إذا حسد» أي إذا أظهر ما في نفسه من الحسد وعمل بمقتضاه بترتيب مقدمات الشر ومبادئ الإضرار بالمحسود قولا أو فعلا والتقييد بذلك لما أن ضرر الحسد قبله إنما يحيق بالحسد لا غيره عن النبي صلى الله عليه وسلم من قرأ المعوذتين فكأنما قرأ الكتب التي أنزلها الله تعالى
(٢١٥)