هو الصالح لكونه غاية للإكراه مترتبا عليه لا المطلق المتناول للطلب السابق الباعث عليه «ومن يكرههن» الخ جملة مستأنفة سيقت لتقرير النهى وتأكيد وجوب العمل به ببيان خلاص المكروهات عن عقوبة المكره عليه عبارة ورجوع غائلة الإكراه إلى المكرهين إشارة أي ومن يكرهن على ما ذكر من البغاء «فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم» أي لهن كما وقع في مصحف ابن مسعود عليه قراءة ابن عباس رضي الله تعالى عنهم وكما ينبئ عنه قوله تعالى من بعد إكراههن أي كونهن مكرهات على أن الإكراه مصدر من المبنى للمفعول فإن توسيطه بين اسم إن وخبرها للإيذان بأن ذلك هو السبب للمغفرة والرحمة وكان الحسن البصري رحمه الله إذا قرأ هذه الآية يقول لهن والله لهن والله في تخصيصها بهن وتعيين مدارهما مع سبق ذكر المكرهين أيضا في الشرطية دلالة بينة على كونهم محرومين منهما بالكلية كأنه قيل لا للمكروه ولظهوره هذا التقدير اكتفى به عن العائد إلى اسم الشرط فتجويز تعلقها بهم بشرط التوبة استقلالا أو معهن إخلال بجزالة النظم الجليل وتهوين لأمر النهى في مقام التهويل وحاجتهن إلى المغفرة المتنبئة عن سابقة الإثم إما باعتبار أنهن وإن كن مكروهات لا يخلون في تضاعيف الزنا عن شائبة مطاوعة ما بحكم الجبلة البشرية وإما باعتبار أن الإكراه قد يكون قاصرا عن حد الالجاء المزيل للاختيار بالمرة وإما لغاية تهويل أمر الزنا وحث المكرهات على التثبت في التجافي عنه والتشديد في تحذير المكرهين ببيان أنهن حيث كن عرضة للعقوبة لولا أن تداركهن المغفرة والرحمة مع قيام العذر في حقهن فما حال من يكرهن في استحقاق العذاب «ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات» كلام مستأنف جيء به في تضاعيف ما ورد من الآيات السابقة واللاحقة لبيان جلالة شؤونها المستوجبة للإقبال الكلي على العمل بمضمونها وصدر بالقسم الذي تعرب عنه اللام لإبراز كمال العناية بشأنه أي وبالله لقد أنزلنا إليكم هذه السورة الكريمة آيات مبينات لكل ما بكم حاجة إلى بيانه من الحدود وسائر الأحكام والآداب وغير ذلك مما هو من مبادئ بيانها على أن إسناد التبيين إليها مجازي أو آيات واضحات تصدقها الكتب القديمة والعقول السليمة على أن مبينات من بين بمعنى تبين ومنه المثل قد بين الصبح لذي عينين وقرئ على صيغة التي بينت وأوضحت في هذه السورة من معاني الأحكام والحدود وقد جوز أن يكون الأصل مبينا فيها الأحكام فانسع في الظرف بإجرائه مجرى المفعول «ومثلا من الذين خلوا من قبلكم» عطف على آيات أي وأنزلنا مثلا كائنا من قبيل أمثال الذين مضوا من قبلكم من القصص العجيبة والأمثال المضروبة لهم في الكتب السابقة والكلمات الجارية على ألسنة الأنبياء عليهم السلام فينتظم قصة عائشة رضي الله عنها المحاكية لقصة يوسف عليه السلام وقصة مريم رضي الله عنها وسائر الأمثال الواردة في السورة الكريمة انتظاما واضحا وتخصيص الآيات المبينات بالسوابق وحمل المثل على القصة العجيبة فقط يأباه تعقيب الكلام بما سيأتي من التمثيلات «وموعظة» تتعظون به وتنزجرون عما لا ينبغي من المحرمات والمكروهات وسائر ما يخل بمحاسن الآداب فهي عبارة عما سبق من الآيات والمثل لظهور كونها من المواعظ بالمعنى المذكور
(١٧٤)