يا يحيى (خذ الكتاب) التوراة (بقوة) أي بجد واستظهار بالتوفيق (وآتيناه الحكم صبيا) قال ابن عباس رضي الله عنهما الحكم النبوة استنبأه وهو ابن ثلاث سنين وقيل الحكم الحكمة وفهم التوراة والفقه في الدين روى أنه دعاه الصبيان إلى اللعب فقال ما للعب خلقنا (وحنانا من لدنا) عطف على الحكم وتنوينه للتفخيم وهو التحنن والاشتياق ومن متعلقة بمحذوف وقع صفة له مؤكدة لما أفاده التنوين من الفخامة الذاتية بالفخامة الإضافية أي وآتيناه رحمة عظيمة عليه كائنة من جنابنا أو رحمة في قلبه وشفقة على أبويه وغيرهما (وزكاة) أي طهارة من الذنوب أو صدقة تصدقنا به على أبويه أو وفقناه للتصديق على الناس (وكان تقيا) مطيعا متجنبا عن المعاصي (وبرا بوالديه) عطف على تقيا اي بارا بهما لطيفا بهما محسنا إليهما (ولم يكن جبارا عصيا) متكبرا عاقا لهما أو عاصيا لربه (وسلام عليه) من الله عز وجل (يوم ولد) من أن يناله الشيطان بما ينال به بني آدم (ويوم يموت) من عذاب القبر (ويوم يبعث حيا) من هول القيامة وعذاب النار (واذكر في الكتاب) مستأنف خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بذكر قصة مريم إثر قصة زكريا لما بينهما من كمال الاشتباك والمراد بالكتاب السورة الكريمة لا القرآن إذ هي التي صدرت بقصة زكريا المستتبعة لذكر قصتها وقصص الأنبياء المذكورين فيها أي واذكر للناس (مريم) أي نبأها فإن الذكر لا يتعلق بالأعيان وقوله تعالى (إذ انتبذت) ظرف لذلك المضاف لكن لا على أن يكون المأمور به ذكر نبذها عند انتباذها فقط بل كل ما عطف عليه وحكى بعده بطريق الاستئناف داخل في حيز الظرف متمم للنبأ وقيل بدل اشتمال من مريم على أن المراد بها نبؤها فإن الظروف مشتملة على ما فيها وقيل بدل الكل على أن المراد بالظرف ما وقع فيه وقيل إذ بمعنى أن المصدرية كما في قولك أكرمتك إذ لم تكرمني أي لأن لم تكرمني فهو بدل اشتمال لا محالة وقوله تعالى (من أهلها) متعلق بانتبذت وقوله (مكانا شرقيا) مفعول له باعتبار ما في ضمنه من معنى الإتيان المترتب وجودا واعتبارا على أصل معناه العامل في الجار والمجرور وهو السرفي تأخيره عنه أي اعتزلت وانفردت منهم وأتت مكانا شرقيا من بيت المقدس أو من دارها لتتخلى هنالك للعبادة وقيل قعدت مشرقة لتغتسل من الحيض محتجبة بحائط أو بشيء يسترها وذلك قوله تعالى (فاتخذت من دونهم حجابا) وكان موضعها المسجد فإذا حاضت تحولت إلى بيت خالتها وإذا طهرت عادت إلى المسجد فبينا هي
(٢٥٩)