(خالدين فيها) نصب على الحالية (لا يبغون عنها حولا) مصدر كالعوج والصغر أي لا يطلبون تحولا عنها إذ لا يتصور أن يكون شيء أعز عندهم وأرفع منها حتى تنازعهم إليه أنفسهم وتطمح نحوه أبصارهم ويجوز أن يراد نفي التحول وتأكيد الخلود والجملة حال من صاحب خالدين أو من ضميره فيه فيكون حالا متداخلة (قل لو كان البحر) أي جنس البحر (مدادا) وهو ما تمد به الدواة من الحبر (لكلمات ربي) لتحرير كلمات علمه وحكمته التي من جملتها ما ذكر من الآيات الداعية إلى التوحيد المحذرة من الإشراك (لنفذ البحر) مع كثرته ولم يبق منه شيء لتناهيه (قبل أن تنفد) وقرئ بالياء والمعنى من غير أن تنفد (كلمات ربي) لعدم تناهيها فلا دلالة للكلام على نفادها بعد نفاد البحر وفي إضافة الكلمات إلى اسم الرب المضاف إلى ضميره صلى الله عليه وسلم في الموضعين من تفخيم المضاف وتشريف المضاف إليه ما لا يخفى وإظهار البحر والكلمات في موضع الإضمار لزيادة التقرير (ولو جئنا) كلام من جهته تعالى غير داخل في الكلام الملقن جيء به لتحقيق مضمونه وتصديق مدلوله مع زيادة مبالغة وتأكيد والواو لعطف الجملة على نظيرتها المستأنفة المقابلة لها المحذوفة لدلالة المذكورة عليها دلالة واضحة أي لنفد البحر من غير نفاد كلماته تعالى لو لم نجيء بمثله مدادا ولو جئنا بقدرتنا الباهرة (بمثله مدادا) عونا وزيادة لأن مجموع المتناهيين متناه بل مجموع ما يدخل تحت الوجود من الأجسام لا يكون إلا متناهيا لقيام الأدلة القاطعة على تناهي الأبعاد وقرئ مدادا جمع مدة وهي ما يستمده الكاتب وقرئ مدادا (قل) لهم بعد ما بينت لهم شأن كلماته تعالى (إنما أنا بشر مثلكم) لا أدعي الإحاطة بكلماته التامة (بوحي إلى) من تلك الكلمات (إنما إلهكم إله واحد) لا شريك له في الخلق ولا في سائر أحكام الألوهية وإنما تميزت عنكم بذلك (فمن كان يرجو لقاء ربه) الرجاء توقع وصول الخير في المستقبل والمراد بلقائه تعالى كرامته وإدخال الماضي على المستقبل للدلالة على أن اللائق بحال المؤمن الاستمرار والاستدامة على رجاء اللقاء أي فمن استمر على رجاء كرامته تعالى (فليعمل) لتحصيل تلك الطلبة العزيزة (عملا صالحا) في نفسه لائقا بذلك المرجو كما فعله الذين آمنوا وعملوا الصالحات (ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) إشراكا جليا كما فعله الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه ولا إشراكا خفيا كما يفعله أهل الرياء ومن يطلب به أجرا وإيثار وضع المظهر موضع المضمر في الموضعين مع التعرض لعنوان الربوبية لزيادة التقرير وللإشعار بعلية العنوان للأمر والنهي ووجوب الامتثال فعلا وتركا روى أن جندب بن زهير رضي الله عنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إني لأعمل العمل لله تعالى فإذا اطلع عليه سرني فقال صلى الله عليه وسلم إن الله لا يقبل ما شورك فيه
(٢٥١)