وتفاصيل أحوالهم الظاهرة والكامنة التي بها يستأهلون الاصطفاء والاجتباء فيختار منهم لنبوته وولايته من يشاء ممن يستحقه وهو رد عليهم إذ قالوا بعيد أن يكون يتيم أبي طالب نبيا وأن يكون العراة الجوع أصحابه دون أن يكون ذلك من الأكابر والصناديد وذكر من في السماوات لإبطال قولهم لولا أنزل علينا الملائكة وذكر من في الأرض لرد قولهم لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم (ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض) بالفضائل النفسانية والتنزه عن العلائق الجسمانية لا بكثرة الأموال والاتباع (وآتينا داود زبورا) بيان لحيثية تفضيله عليه الصلاة والسلام فإن ذلك إيتاء الزبور لا إيتاء الملك والسلطنة وفيه إيذان بتفضيل النبي صلى الله عليه وسلم فإن نعوته الجليلة وكونه خاتم النبيين مسطورة في الزبور وأن المراد بعباد الله الصالحين في قوله تعالى إن الأرض يرثها عبادي الصالحون هو النبي صلى الله عليه وسلم وأمته وتعريف الزبور تارة وتنكيره أخرى إما لأنه في الأصل فعول بمعنى المفعول كالحلوب أو مصدر بمعناه كالقول وإما لأن المراد آتينا داود زبورا من الزبر أو بعضا من الزبور فيه ذكره صلى الله عليه وسلم وقرئ بضم الزاي على أنه جمع زبر بمعنى مزبور (قل ادعوا الذين زعمتم) أنها آلهة (من دونه) تعالى من الملائكة والمسيح وعزير (فلا يملكون) فلا يستطيعون (كشف الضر عنكم) بالمرة كالمرض والفقر والقحط ونحو ذلك (ولا تحويلا) أي ولا تحويله إلى غيركم (أولئك الذين يدعون) أي أولئك الآلهة الذين يدعوهم المشركون من المذكورين (يبتغون) يطلبون لأنفسهم (إلى ربهم) ومالك أمورهم (الوسيلة) القربة بالطاعة والعبادة (أيهم أقرب) بدل من فاعل يبتغون وأي موصولة أي يبتغي من هو أقرب إليه تعالى الوسيلة فكيف بمن دونه أو ضمن الابتغاء معنى الحرص فكأنه قيل يحرصون أيهم يكون أقرب إليه تعالى بالطاعة والعبادة (ويرجون رحمته) بها (ويخافون عذابه) بتركها كدأب سائر العباد فأين هم من كشف الضر فضلا عن الآلهية (إن عذاب ربك كان محذورا) حقيقا بأن يحذره كل أحد حتى الملائكة والرسل عليهم الصلاة والسلام وهو تعليل لقوله تعالى ويخافون عذابه وتخصيصه بالتعليل لما أن المقام مقام التحذير من العذاب وأن بينهم وبين العذاب بونا بعيدا (وإن من قرية) بيان لتحتم حلول عذابه تعالى بمن لا يحذره إثر بيان أنه حقيق بالحذر وأن أساطين الخلق من الملائكة والنبيين عليهم الصلاة والسلام على حذر من ذلك وكلمة إن نافية ومن استغراقية والمراد بالقرية القرية الكافرة أي ما من قرية من قرى الكفار (إلا نحن مهلكوها)
(١٧٩)