تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٣ - الصفحة ٥
ضعيف جدا «ولا يجرمنكم» نهى عن احلال قوم من الأمين خصوا به مع اندراجهم في النهي عن احلال الكل كافة لاستقلالهم بأمور ربما يتوهم كونها مصححة لإحلالهم داعية اليه وجرم جار مجرى كسب في المعنى وفي التعدي إلى مفعول واحد والى اثنين يقال جرم ذنبا نحو كسبه وجرمته ذنبا نحو كسبته إياه خلا ان جرم يستعمل غالبا في كسب ما لا خير فيه وهو السبب في ايثاره ههنا على الثاني وقد ينقل الأول من كل منهما بالهمزة إلى معنى الثاني فيقال أجرمته ذنبا وأكسبته إياه وعليه قراءة من قرا يجر منكم بضم الياء «شنآن قوم» بفتح النون وقرئ بسكونها وكلاهما مصدر ضعيف إلى مفعوله لا إلى فاعله كما قيل وهو شدة البغض وغاية المقت «أن صدوكم» متعلق بالشنآن باضمار لام العلة أي لان صدوركم عام الحديبية «عن المسجد الحرام» عن زيارته والطواف به للعمرة وهده اية بينة في عموم امين للمشركين قطعا وقرئ ان صدوركم على انه شرط معترض اغنى عن جوابه لا يجر منكم قد ابرز الصد المحقق فيما سبق في معرض المفروض للتوبيخ والتنبيه على ان حقه ان لا يكون وقوعه الا على سبيل الفرض والتقدير «أن تعتدوا» أي عليهم وانما حذف تعويلا على ظهوره وايماء إلى ان المقصد الأصلي من النهي منع صدور الاعتداء عن المخاطبين محافظة على تعظيم الشعائر لا منع وقوعه على القوم مراعاة لجانبهم وهو ثاني مفعولي يجر منكم أي لا يكسبنكم شدة بغضكم لهم لصدهم إياكم عن المسجد الحرام اعتداءكم عليهم وانتقامكم منهم للتشفي وهذا وان كان بحسب الظاهر نهيا للشنآن عن كسب الاعتداء للمخاطبين لكنه في الحقيقة نهى لهم عن الاعتداء على أبلغ وجه وآكده فان النهي عن أسباب الشيء ومبادية المؤدية اليه نهى عنه بالطريق البرهاني وابطال للسببية وقد يوجه النهي إلى المسبب ويراد النهي عن السبب كما في قوله لا أرينك ههنا يريد به نهي مخاطبة عن الحضور لديه ولعل تأخير هذا النهي عن قوله تعالى وإذا حللتم فاصطادوا مع ظهور تعلقه بما قبله للايذان بان حرمة الاعتداء لا تنتهي بالخروج عن الاحرام كانتهاء حرمة الاصطياد به بل هي باقية ما لم تنقطع علاقتهم عن الشعائر بالكلية وبذلك يعلم بقاء حرمة التعرض لسائر الأمين بالطريق الأولى «وتعاونوا على البر والتقوى» لما كان الاعتداء غالبا بطريق التظاهر والتعاون أمروا اثر ما نهوا عنه بان يتعاونوا على كل ما هو من باب البر والتقوى ومتابعة الامر ومجانبة الهوى فدخل فيه ما نحن بصدده من التعاون على العفو والاغضاء عما وقع منهم دخولا أوليا ثم نهوا عن التعاون في كل ما هو من مقولة الظلم والمعاصي بقوله تعالى «ولا تعاونوا على الإثم والعدوان» فاندرج فيه النهي عن التعاون على الاعتداء والانتقام بالطريق البرهاني واصل لا تعاونوا لا تتعاونوا فحذف منه احدى التاءين تخفيفا وانما اخر النهي عن الامر مع تقدم التخلية على التحلية مسارعة إلى ايجاب ما هو مقصود بالذات فان المقصود من ايجاب ترك التعاون على الاثم والعدوان انما هو تحصيل التعاون على البر والتقوى ثم أمروا بقوله تعالى «واتقوا الله» بالاتقاء في جميع الأمور التي من جملتها مخالفة ما ذكر من الأوامر والنواهي فثبت وجوب الاتقاء فيها بالطريق البرهاني ثم علل ذلك بقوله تعالى «أن الله شديد العقاب» أي لمن لا يتقيه فيعاقبكم لا محالة ان لم تتقوه واظهار الاسم الجليل لما مر مرارا من ادخال الروعة وتربية المهابة وتقوية استقلال الجملة
(٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 5 - سورة المائدة قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود 2
2 قوله تعالى: ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل. 14
3 قوله تعالى: واتل عليهم بناء بني آدم بالحق. 26
4 قوله تعالى: يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر. 36
5 قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء. 47
6 قوله تعالى: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك. 60
7 (الجزء السابع) قوله تعالى: لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا. 71
8 قوله تعالى: جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس. 82
9 قوله تعالى: يوم يجمع الله الرسل فيقول ما ذا أجبتم. 93
10 6 _ سورة الأنعام 104
11 قوله تعالى: وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم. 116
12 قوله تعالى: إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله. 129
13 قوله تعالى: وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو. 143
14 قوله تعالى: وإذا قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة. 151
15 قوله تعالى: إن الله فالق الحب والنوى. 164
16 (الجزء الثامن) قوله تعالى: ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة. 174
17 قوله تعالى: لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون. 184
18 قوله تعالى: هو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات. 191
19 قوله تعالى: قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئا. 197
20 7 - سورة الأعراف قوله تعالى: المص. 209
21 قوله تعالى: يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا. 224
22 قوله تعالى: وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين. 230
23 قوله تعالى: وإلى عاد أخاهم هودا و قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره. 237
24 (الجزء التاسع) قوله تعالى: قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنكما شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا. 248
25 قوله تعالى: وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون. 260
26 قوله تعالى: وواعدنا موسى ثلاثين ليلة و أتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة. 268
27 قوله تعالى: واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة و في الآخرة إنا هدنا إليك. 278
28 قوله تعالى: وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة و ظنوا أنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه. 289
29 قوله تعالى: هو الذي خلقكم من نفس واحدة و جعل منها زوجها ليسكن إليها. 302