ضعيف جدا «ولا يجرمنكم» نهى عن احلال قوم من الأمين خصوا به مع اندراجهم في النهي عن احلال الكل كافة لاستقلالهم بأمور ربما يتوهم كونها مصححة لإحلالهم داعية اليه وجرم جار مجرى كسب في المعنى وفي التعدي إلى مفعول واحد والى اثنين يقال جرم ذنبا نحو كسبه وجرمته ذنبا نحو كسبته إياه خلا ان جرم يستعمل غالبا في كسب ما لا خير فيه وهو السبب في ايثاره ههنا على الثاني وقد ينقل الأول من كل منهما بالهمزة إلى معنى الثاني فيقال أجرمته ذنبا وأكسبته إياه وعليه قراءة من قرا يجر منكم بضم الياء «شنآن قوم» بفتح النون وقرئ بسكونها وكلاهما مصدر ضعيف إلى مفعوله لا إلى فاعله كما قيل وهو شدة البغض وغاية المقت «أن صدوكم» متعلق بالشنآن باضمار لام العلة أي لان صدوركم عام الحديبية «عن المسجد الحرام» عن زيارته والطواف به للعمرة وهده اية بينة في عموم امين للمشركين قطعا وقرئ ان صدوركم على انه شرط معترض اغنى عن جوابه لا يجر منكم قد ابرز الصد المحقق فيما سبق في معرض المفروض للتوبيخ والتنبيه على ان حقه ان لا يكون وقوعه الا على سبيل الفرض والتقدير «أن تعتدوا» أي عليهم وانما حذف تعويلا على ظهوره وايماء إلى ان المقصد الأصلي من النهي منع صدور الاعتداء عن المخاطبين محافظة على تعظيم الشعائر لا منع وقوعه على القوم مراعاة لجانبهم وهو ثاني مفعولي يجر منكم أي لا يكسبنكم شدة بغضكم لهم لصدهم إياكم عن المسجد الحرام اعتداءكم عليهم وانتقامكم منهم للتشفي وهذا وان كان بحسب الظاهر نهيا للشنآن عن كسب الاعتداء للمخاطبين لكنه في الحقيقة نهى لهم عن الاعتداء على أبلغ وجه وآكده فان النهي عن أسباب الشيء ومبادية المؤدية اليه نهى عنه بالطريق البرهاني وابطال للسببية وقد يوجه النهي إلى المسبب ويراد النهي عن السبب كما في قوله لا أرينك ههنا يريد به نهي مخاطبة عن الحضور لديه ولعل تأخير هذا النهي عن قوله تعالى وإذا حللتم فاصطادوا مع ظهور تعلقه بما قبله للايذان بان حرمة الاعتداء لا تنتهي بالخروج عن الاحرام كانتهاء حرمة الاصطياد به بل هي باقية ما لم تنقطع علاقتهم عن الشعائر بالكلية وبذلك يعلم بقاء حرمة التعرض لسائر الأمين بالطريق الأولى «وتعاونوا على البر والتقوى» لما كان الاعتداء غالبا بطريق التظاهر والتعاون أمروا اثر ما نهوا عنه بان يتعاونوا على كل ما هو من باب البر والتقوى ومتابعة الامر ومجانبة الهوى فدخل فيه ما نحن بصدده من التعاون على العفو والاغضاء عما وقع منهم دخولا أوليا ثم نهوا عن التعاون في كل ما هو من مقولة الظلم والمعاصي بقوله تعالى «ولا تعاونوا على الإثم والعدوان» فاندرج فيه النهي عن التعاون على الاعتداء والانتقام بالطريق البرهاني واصل لا تعاونوا لا تتعاونوا فحذف منه احدى التاءين تخفيفا وانما اخر النهي عن الامر مع تقدم التخلية على التحلية مسارعة إلى ايجاب ما هو مقصود بالذات فان المقصود من ايجاب ترك التعاون على الاثم والعدوان انما هو تحصيل التعاون على البر والتقوى ثم أمروا بقوله تعالى «واتقوا الله» بالاتقاء في جميع الأمور التي من جملتها مخالفة ما ذكر من الأوامر والنواهي فثبت وجوب الاتقاء فيها بالطريق البرهاني ثم علل ذلك بقوله تعالى «أن الله شديد العقاب» أي لمن لا يتقيه فيعاقبكم لا محالة ان لم تتقوه واظهار الاسم الجليل لما مر مرارا من ادخال الروعة وتربية المهابة وتقوية استقلال الجملة
(٥)