الوعيد الآتي ومباديه للكل كما ستقف عليه وكذا جعل قوله ومن الذين الخ خبرا على أن قوله سماعون صفة لمبتدأ محذوف أي ومنهم قوم سماعون الخ لأدائه إلى اختصاص ما عدد من القبائح وما يترتب عليها من الغوائل الدنيوية والأخروية بهم فالوجه ما ذكر أولا أي هم سماعون واللام إما لتقوية العمل وإما لتضمين السماع معنى القبول وإما لام كي والمفعول محذوف والمعنى هم مبالغون في سماع الكذب أو في قبول ما يفتريه أحبارهم من الكذب على الله سبحانه وتحريف كتابه أو سماعون أخباركم وأحاديثكم ليكذبوا عليكم بأن يمسخوها بالزيادة والنقص والتبديل والتغيير أو أخبار الناس وأقاويلهم الدائرة فيما بينهم ليكذبوا فيها بأن يرجفوا بقتل المؤمنين وانكسار سراياهم ونحو ذلك مما يضر بهم وأيا ما كان فالجملة مستأنفة جارية مجرى التعليل للنهي فإن كونهم سماعين للكذب على الوجوه المذكورة وابتناء أمورهم على ما لا أصل له من الأباطيل والأراجيف مما يقتضي عدم المبالاة بهم وترك الاعتداد بما يأتون وما للقطع بظهور بطلان أكاذيبهم واختلال ما بنوا عليها من الأفاعيل الفاسدة المؤدية إلى الخزي والعذاب كما سيأتي وقرئ سماعين للكذب بالنصب على الذم وقوله تعالى «سماعون لقوم آخرين» خبر ثان للمبتدأ المقدر مقرر للأول ومبين لما هو المراد بالكذب على الوجهين الأولين واللام مثل ما في سمع الله لمن حمده في الرجوع إلى معنى من أي قبل منه حمده والمعنى مبالغون في قبول كلام قوم آخرين وأما كونها لام التعليل بمعنى سماعون منه عليه الصلاة والسلام لأجل قوم آخرين وجهوهم عيونا ليبلغوهم ما سمعوا منه عليه الصلاة والسلام أو كونها متعلقة بالكذب على أن سماعون الثاني مكرر للتأكيد بمعنى سماعون ليكذبوا لقوم آخرين فلا يكاد يساعده النظم الكريم أصلا وقوله تعالى «لم يأتوك» صفة أخرى لقوم أي لم يحضروا مجلسك وتجافوا عنك تكبرا وإفراطا في البغضاء قيل هم يهود خيبر والسماعون بنو قريظة وقوله تعالى «يحرفون الكلم عن مواضعه» صفة أخرى لقوم وصفوا أولا بمغايرتهم للسماعين تنبيها على استقلالهم وأصالتهم في الرأي والتدبير ثم بعدم حضورهم مجلس الرسول عليه الصلاة والسلام إيذانا بكمال طغيانهم في الضلال ثم باستمرارهم على التحريف بيانا لإفراطهم في العتو والمكابرة والاجتراء على الافتراء على الله تعالى وتعيينا للكذب الذي سمعه السماعون أي يميلونه ويزيلونه عن مواضعه بعد أن وضعه الله تعالى فيها إما لفظا بإهماله أو تغيير وضعه وإما معنى بحمله على غير المراد وإجرائه في غير مورده وقيل الجملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب ناعية عليهم شنائعهم وقيل خبر مبتدأ محذوف راجع إلى القوم وقوله تعالى «يقولون» كالجملة السابقة في الوجوه المذكورة ويجوز أن يكون حالا من ضمير يحرفون وأما تجويز كونها صفة لسماعون أو حالا من الضمير فيه فما لا سبيل إليه أصلا كيف لا وأن مقول القول ناطق بأن قائله ممن لا يحضر مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم والمخاطب به ممن يحضره فكيف يمكن أن يقوله السماعون المترددون إليه صلى الله عليه وسلم لمن لا يحوم حوله قطعا وادعاء قول السماعين لأعقابهم المخالطين للمسلمين تعسف ظاهر مخل بجزالة النظم الكريم والحق الذي لا محيد عنه أن المحرفين والقائلين هم القوم الآخرون أي يقولون لأتباعهم السماعين لهم عند إلقائهم إليهم أقاويلهم الباطلة مشيرين إلى كلامهم الباطل «إن أوتيتم» من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم «هذا فخذوه» واعملوا بموجبه فإنه الحق «وإن لم تؤتوه» بل أوتيتم
(٣٧)