الكفرة عن أتباعهم من أمر البعث والنشور أو ما كتمه علماء أهل الكتابين من صحة نبوة النبي صلى الله عليه وسلم ونعوته الشريفة عن عوامهم على أن الضمير المجرور للعوام والمرفوع للخواص أو كفرهم الذي أخفوه عن المؤمنين والضمير المجرور للمؤمنين والمرفوع للمنافقين فبعد الإغضاء عما في كل منها من الاعتساف والاختلال لا سبيل إلى شيء من ذلك أصلا لما عرفت من أن سوق النظم الشريف لتهويل أمر النار وتفظيع حال أهلها وقد ذكر وقوفهم عليها وأشير إلى أنه اعتراهم عند ذلك من الخوف والخشية والحيرة والدهشة ما لا يحبط به الوصف ورتب عليه تمنيهم المذكور بالفاء القاضية بسببية ما قبلها لما بعدها فإسقاط النار بعد ذلك من تلك السببية وهي في نفسها أدهى الدواهي وأزجر الزواجر وإسنادها إلى شيء من الأمور المذكورة التي دونها في الهول والزجر مع عدم جريان ذكرها ثمة أمر يجب تنزيه ساحة التنزيل عن أمثاله وأما ما قيل من أن المراد جزاء ما كانوا يخفون فمن قبيل دخول البيوت من ظهورها وأبوابها مفتوحة فتأمل «ولو ردوا» أي من موقفهم ذلك إلى الدنيا حسبما تمنوه وغاب عنهم ما شاهدوه من الأهوال «لعادوا لما نهوا عنه» من فنون القبائح التي من جملتها التكذيب المذكور ونسوا ما عاينوه بالكلية لاقتصار أنظارهم على الشاهد دون الغائب «وإنهم لكاذبون» أي لقوم ديدنهم الكذب في كل ما يأتون وما يذرون «وقالوا» عطف على عادوا داخل في حيز الجواب وتوسيط قوله تعالى وإنهم لكاذبون بينهما لأنه اعتراض مسوق لتقرير ما أفاده الشرطية من كذبهم المخصوص ولو أخر لأوهم أن المراد تكذيبهم في إنكارهم البعث والمعنى لوردوا إلى الدنيا لعادوا لما نهوا عنه وقالوا «إن هي» أي ما الحياة «إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين» بعد ما فارقنا هذه الحياة كأن لم يروا ما رأوا من الأحوال التي أولها البعث والنشور «ولو ترى إذ وقفوا على ربهم» الكلام فيه كالذي مر في نظيره خلا أن الوقوف ههنا مجاز عن الحبس للتوبيخ والسؤال كما يوقف العبد الجاني بين يدي سيده للعقاب وقيل عرفوا ربهم حق التعريف وقل وقفوا على جزاء ربهم وقوله تعالى «قال» استئناف مبني على سؤال نشأ من الكلام السابق كأنه قيل فماذا قال لهم ربهم إذ ذاك فقيل قال «أليس هذا» مشيرا إلى ما شاهدوه من البهث وما يتبعه من الأمور العظام «بالحق» تقريعا لهم على تكذيبهم لذلك وقولهم عند سماع ما يتعلق به ما هو بحق وما هو إلا باطل «قالوا» استئناف كما سبق «بلى وربنا» أكدوا اعترافهم باليمين إظهارا لكمال يقينهم بحقيته وإيذانا بصدور ذلك عنهم بالرغبة والنشاط معا في نفعه «قال» استئناف كما مر «فذوقوا العذاب» الذي عاينتموه والفاء لترتيب التعذيب على اعترافهم بحقية ما كفروا به في الدنيا لكن لا على أن مدار التعذيب هو اعترافهم بذلك بل هو كفرهم السابق بما اعترفوا بحقيته الآن كما نطق به قوله عز وجل «بما كنتم تكفرون» أي بسبب كفركم في الدنيا بذلك أو
(١٢٤)