أظلم ممن افترى على الله كذبا» بوصفهم النبي الموعود في الكتابين بخلاف أوصافه صلى الله عليه وسلم فإنه افتراء على الله سبحانه وبقولهم الملائكة بنات الله وقولهم هؤلاء شفعاؤنا عند الله ونحو ذلك وهو إنكار واستبعاد لأن يكون أحد أظلم ممن فعل ذلك أو مساويا له وإن كان سبك التركيب غير متعرض لإنكار المساواة ونفيها يشهد به العرف الفاشي والاستعمال المطرد فإنه إذا قيل من أكرم من فلان أو لا أفضل من فلان فالمراد حتما أنه أكرم من كل كريم وأفضل من كل فاضل ألا يرى إلى قوله عز وجل لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون بعد قوله تعالى ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا الخ والسر في ذلك أن النسبة بين الشيئين إنما تتصور غالبا لا سيما في باب المغالبة بالتفاوت زيادة ونقصانا فإذا لم يكن أحدهما أزيد يتحقق النقصان لا محالة «أو كذب بآياته» كأن كذبوا بالقرآن الذي من جملته الآية الناطقة بأنهم يعرفونه صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبناءهم وبالمعجزات وسموها سحرا وحرفوا التوراة وغيروا نعوته صلى الله عليه وسلم فإن ذلك تكذيب بآياته تعالى وكلمة أو للإيذان بأن كلا من الافتراء والتكذيب وحده بالغ غاية الإفراط في الظلم فكيف وهم قد جمعوا بينهما فأثبتوا ما نفاه الله تعالى ونفوا ما أثبته قاتلهم الله أنى يؤفكون «أنه» الضمير للشأن ومدار وضعه موضعه ادعاء شهرته المغنية عن ذكره وفائدته تصدير الجملة به الإيذان بفخامة مضمونها مع ما فيه من زيادة تقريره في الذهن فإن الضمير لا يفهم منه من أول الأمر إلا شأن مبهم له خطر فيبقى الذهن مترقبا لما يعقبه فيتمكن عند وروده له فضل تمكن فكأنه قيل إن الشأن الخطير هذا هو «لا يفلح الظالمون» أي لا ينجون من مكروه ولا يفوزون بمطلوب وإذا كان حال الظالمين هذا فما ظنك بمن في الغاية القاصية من الظلم «ويوم نحشرهم جميعا» منصوب على الظرفية بمضمر مؤخر قد حذف إيذانا بضيق العبارة عن شرحه وبيانه وإيماء إلى عدم استطاعة السامعين لسماعه لكمال فظاعة ما يقع فيه من الطامة والداهية التامة كأنه قيل ويوم نحشرهم جميعا «ثم نقول» لهم ما نقول كان من الأحوال والأهوال ما لا يحيط به دائرة المقال وتقدير صيغة الماضي للدلالة على التحقق ولحسن موقع عطف قوله تعالى ثم لم تكن الخ عليه وقيل منصوب على المفعولية بمضمر مقدم أي واذكر لهم للتخويف والتحذير ويوم نحشرهم الخ وقيل وليتقوا أو ليحذروا يوم نحشرهم الخ والضمير للكل وجميعا حال منه وقرئ يحشرهم جميعا ثم يقول بالياء فيهما «للذين أشركوا» أي نقول لهم خاصة للتوبيخ والتقريع على رؤوس الأشهاد «أين شركاؤكم» أي آلهتكم التي جعلتموها شركاء لله سبحانه وإضافتها إليهم لما أن شركتها ليست إلا بتسميتهم وتقولهم الكاذب كما ينبئ عنه قوله تعالى «الذين كنتم تزعمون» أي تزعمونها شركاء فحذف المفعولان معا وهذا السؤال المنبىء عن غيبة الشركاء مع عموم الحشر لها لقوله تعالى احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله وغير ذلك من النصوص إنما يقع بعد ما جرى بينها وبينهم من التبرؤ من الجانبين وتقطع ما بينهم من الأسباب والعلائق حسبما يحكيه قوله تعالى فزيلنا بينهم الخ ونحو ذلك من الآيات الكريمة إما بعدم حضورها حينئذ في الحقيقة بإبعادها من ذلك الموقف وإما بتنزيل
(١١٩)