عمل يشغل النفس ويفطرها عما تنتفع به واللهو صرفها عن الجد إلى الهزل والمعنى إما على حذف المضاف أو على جعل الحياة الدنيا نفس اللعب واللهو مبالغة كما في قول الخنساء فإنما هي إقبال وإدبار أي وما أعمال الدنيا أي الأعمال المتعلقة بها من حيث هي هي أو وما هي من حيث أنها محل لكسب تلك الأعمال إلا لعب يشغل الناس ويلهيهم بما فيه من منفعة سريعة الزوال ولذة وشيكة الاضمحلال عما يعقبهم منفعة جليلة باقية ولذة حقيقية غير متناهية من الإيمان والعمل الصالح «وللدار الآخرة» التي هي محل الحياة الأخرى «خير للذين يتقون» الكفر والمعاصي لأن منافعها خالصة عن المضار ولذاتها غير منغصة بالآلام مستمرة على الدوام «أفلا تعقلون» ذلك حتى تتقوا ما أنتم عليه من الكفر والعصيان والفاء للعطف على مقدار أي تغفلون فلا تعقلون أو ألا تتفكرون فتعقلون وقرئ يعقلون على الغيبة «قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون» استئناف مسوق لتسلية رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحزن الذي يعتريه مما حكى عن الكفرة من الإصرار على التكذيب والمبالغة فيه ببيان أنه عليه الصلاة والسلام بمكانة من الله عز وجل وأن ما يفعلونه في حقه فهو راجع إليه تعالى في الحقيقة وأنه ينتقم منهم لا محالة أشد انتقام وكلمة قد لتأكيد العلم بما ذكر المفيد لتأكيد الوعيد كما في قوله تعالى ما أنتم عليه وقوله تعالى قد يعلم الله المعوقين ونحوهما بإخراجها إلى معنى التكثير حسبما يخرج إليه ربما في مثل قوله * وإن تمس مهجور الفناء فربما أقام به بعد الوفود وفود جريا على سنن العرب عند قصد الإفراط في التكثير تقول لبعض قواد العساكر كم عندك من الفرسان فيقول رب فارس عندي وعنده مقانب جمة يريد بذلك التمادي في تكثير فرسانه ولكنه يروم إظهار براءته عن التزيد وإبراز أنه ممن يقلل كثير ما عنده فضلا عن تكثير القلل وعليه قوله عز وجل ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين وهذه طريقة إنما تسلك عند كون الأمر من الوضوح بحيث لا تحوم حوله شائبة ريب حقيقة كما في الآيات الكريمة المذكورة أو ادعاء كما في البيت وقوله * قد أترك القرن مصفرا أنامله وقوله ولكنه قد يهلك المال نائله والمراد بكثرة علمه تعالى كثرة تعلقه وهو متعد إلى اثنين وما بعده ساد مسدهما واسم إن ضمير الشأن وخبرها الجملة المفسرة له والموصول فاعل يحزنك وعائده محذوف أي الذي يقولونه وهو ما حكى عنهم من قولهم إن هذا إلا أساطير الأولين ونحو ذلك وقرئ ليحزنك من أحزن المنقول من حزن اللام وقوله تعالى «فإنهم لا يكذبونك» تعليل لما يشعرون به الكلام السابق من النهي عن الاعتداد بما قالوا لكن لا بطريق التشاغل عنه وعده هينا والإقبال التام على ما هو أهم منه من استعظام جحودهم بآيات الله عز وجل كما قيل فإنه مع كونه بمعزل من التسلية بالكلية مما يوهم كون حزنه عليه الصلاة والسلام لخاصة نفسه بل بطريق التسلي بما يفيده من بلوغه عليه الصلاة والسلام في جلالة القدر ورفعه المحل والزلفى من الله عز وجل إلى حيث لا غاية وراءه حيث لم يقتصر على جعل تكذيبه صلى الله عليه وسلم تكذيبا لآياته سبحانه على طريقة قوله تعالى من يطع الرسول
(١٢٦)