عدم حضورها بعنوان الشركة والشفاعة منزلة عدم حضورها في الحقيقة إذ ليس السؤال عنها من حيث ذواتها إنما هو من حيث أنها شركاء كما يعرب عنه الوصف بالموصول ولا ريب في أن عدم الوصف يوجب عدم الموصوف من حيث هو موصوف فهي من حيث هي شركاء غائبة لا محالة وإن كانت حاضرة من حيث ذواتها أصناما كانت أو غيرها وأما ما يقال من أنه يحال بينها وبينهم في وقت التوبيخ ليفقدوهم في الساعة التي علقوا بها الرجاء فيها فيروا مكان خزيهم وحسرتهم فربما يشعر بعدم شعورهم بحقيقة الحال وعدم انقطاع حبال رجائهم عنها بعد وقد عرفت أنهم شاهدوها قبل ذلك وانصرمت عروة أطماعهم عنها بالكلية على أنها معلومة لهم من حين الموت والابتلاء بالعذاب في البرزخ وإنما الذي يحصل يوم الحشر الانكشاف الجلي واليقين القوي المترتب على المحاضرة والمحاورة «ثم لم تكن فتنتهم» بتأنيث الفعل ورفع فتنتهم على أنه اسم له والخبر «إلا أن قالوا» وقرئ بنصب فتنتهم على أنها الخبر والاسم إلا أن قالوا والتأنيث للخبر كما في قولهم من كانت أمك وقرئ بالتذكير مع رفع الفتنة ونصبها ورفعها أنسب بحسب المعنى والجملة عطف على ما قدر عاملا في يوم نحشرهم كما أشير إليه فيما سلف والاستثناء مفرغ من أعم الأشياء وفتنتهم إما كفرهم مرادا به عاقبته أي لم تكن عاقبة كفرهم الذي لزموه مدة أعمارهم وافتخروا به شيئا من الأشياء إلا جحدوه والتبرؤ منه بأن يقولوا «والله ربنا ما كنا مشركين» وأما جوابهم عبر عنه بالفتنة لأنه كذب ووصفه تعالى بربوبيته لهم للمبالغة في التبرؤ من الإشراك وقرئ بنا على النداء فهو لإظهار الضراعة والابتهال في استدعاء قبول المعذرة وإنما يقولون ذلك مع علمهم بأنه بمعزل من النفع رأسا من فرط الحيرة والدهش وحمله على معنى ما كنا مشركين عند أنفسنا وما علمنا في الدنيا أنا على خطأ غي معتقدنا مما لا ينبغي أن يتوهم أصلا فإنه يوهم أن لهم عذرا أما وأن لهم قدرة على الاعتذار في الجملة وذلك مخل بكمال هول اليوم قطعا على أنه قد قضى ببطلانه قوله تعالى «انظر كيف كذبوا على أنفسهم» فإنه تعجيب من كذبهم الصريح بإنكار صدور الإشراك عنهم في الدنيا أي انظر كيف كذبوا على أنفسهم في قولهم ذلك فإنه أمر عجيب في الغاية وأما حمله على كذبهم في الدنيا فتمحل يجب تنزيه ساحة التنزيل عنه وقوله تعالى «وضل عنهم ما كانوا يفترون» عطف على كذبوا داخل معه في حكم التعجيب وما مصدرية أو موصولة قد حذف عائدها والمعنى انظر كيف كذبوا باليمين الفاجرة المغلظة على أنفسهم بإنكار صدور ما صدر عنهم وكيف ضل عنهم أي زال وذهب افتراؤهم أو ما كانوا يفترونه من الإشراك حتى نفوا صدوره عنهم بالكلية وتبرءوا منه بالمرة وقيل ما عبارة عن الشركاء وإيقاع الافتراء عليها مع أنه في الحقيقة واقع على أحوالها من الإلهية والشركة والشفاعة ونحوها للمبالغة في أمرها كأنها نفس المفترى وقيل الجملة كلام مستأنف غير داخل في حيز التعجيب
(١٢٠)