والابتهال ليست لخوفهم من أخلاف الميعاد بل لخوفهم من أن لا يكونوا من جملة الموعودين بتغير الحال وسوء الخاتمة والمآل فمرجعها إلى الدعاء بالتثبيت أو للمبالغة في التعبد والخشوع والميعاد الوعد وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه البعث بعد الموت وفي الآثار عن جعفر الصادق من حزبه أمر فقال ربنا خمس مرات أنجاه الله مما يخاف وأعطاه ما أراد وقرأ هذه الآية «فاستجاب لهم ربهم» الاستجابة بمعنى الإجابة وقال تاج القراء الإجابة عامة والاستجابة خاصة بإعطاء المسؤول وتتعدى باللام وبنفسها كما في قوله * فلم يستجبه عند ذاك مجيب * وهو عطف على الاستئناف المقدر فيما سلف مترتب على ما في حيزه من الأدعية كما أن قوله عز وجل ثم قيل للذين ظلموا الخ عطف على قيل المقدر قبل آلآن أي قيل لهم آلآن آمنتم به ثم قيل الآية وكما أن قوله تعالى في سورة الأعراف على قلوبهم معطوف على ما دل عليه معنى أو لم يهد الخ كأنه قيل يغفلون عن الهداية ونطبع ونطيع الخ ولا ضير في اختلافهما صيغة لما أن صيغة المستقبل هناك للدلالة على الاستمرار المناسب لمقام الدعاء وصيغة الماضي ههنا للإيذان بتحقق الاستجابة وتقررها كما لا ضير في الاختلاف بين قوله تعالى إذ تستغيثون ربكم وبين ما عطف عليه من قوله تعالى فاستجاب لكم كما سيأتي ويجوز أن يكون معطوفا على مضمر ينساق اليه الذهن أي دعوا بهذه الأدعية فاستجاب الخ واما على تقرير كون المقدر حالا فهو عطف على يتفكرون باعتبار مقارنته لما وقع حالا من فاعله أعني قوله تعالى ربنا ربنا الخ فإن الاستجابة مترتبة على دعواتهم لا على مجرد تفكرهم وحيث كانت هي من أوصافهم الجميلة المترتبة على أعمالهم بالآخرة استحقت الانتظام في سلك محاسنهم المعدودة في أثناء مدحهم وأما على تقدير كون الموصول نعتا لأولى الألباب فلا مساغ لهذا العطف أصلا لما عرفت من أن حق ما في حيز الصلة أن يكون من مبادي جريان الحكم على الموصول وقد عرفت أن دعواتهم السابقة ليست كذلك فأين الاستجابة المتأخرة عنها وفي التعرض لعنوان الربوبية المنبئة عن التبليغ إلى الكمال مع الإضافة إلى ضميرهم من تشريفهم واظهار اللطف بهم مالا يخفى «أني لا أضيع عمل عامل منكم» أي بأني وهكذا قرأ أبي رضي الله عنه والباء للسببية كأنه قيل فاستجاب لهم ربهم بسبب لأنه لا يضيع عمل عامل منهم أي سنته السنية مستمرة على ذلك والالتفات إلى التكلم والخطاب لإظهار كمال الاعتناء بشأن الاستجابة وتشريف الداعين بشرف الخطاب والمراد تأكيدها ببيان سببها والاشعار بأن مدارها أعمالهم التي قدموها على الدعاء لا مجرد الدعاء وتعميم الوعد لسائر العاملين وان لم يبلغوا درجة أولى الألباب لتأكيد استجابة الدعوات المذكورة والتعبير عن ترك الإثابة بالإضاعة مع أنه ليس بإضاعة حقيقية إذ الأعمال غير موجبة للثواب حتى يلزم من تخلفه
(١٣٣)