الأمر على التقدير المسكوت عنه اعني عدم الإطاعة المؤدى إلى المخاصمة والمرافعة إليهم والشقاق المخالفة إما لأن كلا منهما يريد ما يشق على الآخر وإما لأن كلا منهما في شق أي جانب غير شق الآخر والخوف ههنا بمعنى العلم قاله ابن عباس والجزم بوجود الشقاق لا ينافي بعث الحكمين لأنه لرجاء إزالته لا لتعرف وجوده بالفعل وقيل بمعنى الظن وضمير الثنية للزوجين وإن لم يجر لهما ذكر لجرى ما يدل عليها وإضافة الشقاق إلى الظرف إما على إجرائه مجرى المفعول به كما في قوله * يا سارق الليلة * أو مجرى الفاعل كما في قولك نهاره صائم أي إن علمتم أو ظننتم تأكد المخالفة بحيث لا يقدر الزوج على إزالتها «فابعثوا» أي إلى الزوجين لإصلاح ذات البين «حكما» رجلا وسطا صالحا للحكومة والإصلاح «من أهله» من أهل الزوج «وحكما» آخر على صفة الأول «من أهلها» فإن الأقارب أعرف ببواطن الأحوال وأطلب للصلاح وهذا على وجه الاستحباب فلو نصبا من الأجانب جاز واختلف في أنهما هل يليان الجمع والتفريق إن رأيا ذلك فقيل لهما ذلك وهو المروى عن على رضى الله عنه وبه قال الشعبي وعن الحسن يجمعان ولا يفرقان وقال مالك لهما أن يتخالعا إن كان الصلاح فيه «إن يريدا» أي الحكمان «إصلاحا» أي إن قصدا إصلاح ذات البين وكانت نيتهما صحيحة وقلوبهما ناصحة لوجه الله تعالى «يوفق الله بينهما» يوقع بين الزوجين الموافقة والألفة وألقى في نفوسهما المودة والرأفة وعدم التعرض لذكر عدم إرادتهما الإصلاح لما ذكر من الإيذان بان ذلك ليس مما ينبغي أن يفرض صدوره عنهما وأن الذي يليق بشأنهما ويتوقع صدوره عنهما هو إرادة الإصلاح وفيه مزيد ترغيب للحكمين في الإصلاح وتحذير عن المساهلة كيلا ينسب اختلال الأمر إلى عدم إرادتهما فإن الشرطية الناطقة بدور أن وجود التوفيق على وجود الإرادة منبئة عن دوران عدمه على عدمها وقيل كلا الضميرين للحكمين أي إن قصد الإصلاح يوفق الله بينهما فتتفق كلمتهما ويحصل مقصودهما وقيل كلاهما للزوجين أي إن أرادا إصلاح ما بينهما من الشقاق أوقع الله تعالى بينهما الألفة والوفاق وفيه تنبيه على ان من أصلح نيته فيما يتوخاه وفقه الله لمبتغاه «إن الله كان عليما خبيرا» بالظواهر والبواطن فيعلم كيف يرفع الشقاق ويوقع الوفاق «واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا» كلام مبتدأ مسوق لبيان الأحكام المتعلقة بحقوق الوالدين والأقارب ونحوهم أثر بيان الأحكام المتعلقة بحقوق الأزواج صدر بما يتعلق بحقوق الله عز وجل التي هي آكد الحقوق وأعظمهما تنبيها على جلالة شأن حقوق الوالدين بنظمها في سلكها كما في سائر المواقع وشيئا نصب على أنه مفعول أي لا تشركوا به شيئا من الأشياء صنما أو غيره أو على أنه مصدر أي لا تشركوا به شيئا من الإشراك جليا أو خفيا «وبالوالدين إحسانا» أي أحسنوا بهما إحسانا
(١٧٥)