تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٢ - الصفحة ١٣٨
والترهيب وكذا وصف الرب بقوله تعالى «الذي خلقكم من نفس واحدة» فإن خلقه تعالى إياهم على هذا النمط البديع لإنبائه عن قدرة شاملة لجميع المقدورات التي من جملتها عقابهم على معاصيهم وعن نعمة كاملة لا يقادر قدرها من أقوى الدواعي إلى الاتقاء من موجبات نقمته وأتم الزواجر عن كفران نعمته وكذا جعله تعالى إياهم صنوانا مفرغة من أرومة واحدة هي نفس آدم عليه السلام من موجبات الاحتراز عن الإخلال بمراعاة ما بينهم من حقوق الأخوة وتعميم الخطاب في ربكم وخلقكم للأمم السالفة أيضا مع اختصاصه فيما قبل بالمأمورين بناء على أن تذكير شمول ربوبيته تعالى وخلقه للكل من مؤكدات الأمر بالتقوى وموجبات الامتثال به تفكيك للنظم الكريم مع الاستغناء عنه لأن خلقه تعالى للمأمورين من نفس آدم عليه السلام حيث كان بواسطة ما بينهم وبينه عليه السلام من الآباء والأمهات كان التعرض لخلقهم متضمنا للتعرض لخلق الوسايط جميعا وكذا التعرض لربوبيته تعالى لأصولهم قاطبة لا سيما وقد نطق بذلك قوله عز وجل «وخلق منها زوجها» فإنه مع ما عطف عليه صريح في ذلك وهو معطوف إما على مقدر ينبئ عنه سوق الكلام لأن تفريع الفروع من أصل واحد يستدعي إنشاء ذلك الأصل لا محالة كأنه قيل خلقكم من نفس واحدة خلقها أولا وخلق منها زوجها الخ وهو استئناف مسوق لتقرير وحدة المبدأ وبيان كيفية خلقهم منه وتفصيل ما أجمل أولا أو صفة لنفس مفيدة لذلك وإما على خلقكم داخل معه في حيز الصلة مقرر ومبين لما ذكر وإعادة الفعل مع جواز عطف مفعوله على مفعول الفعل الأول كما في قوله تعالى «يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم» الخ لإظهار ما بين الخلقين من التفاوت فإن الأول بطريق التفريع من الأصل والثاني بطريق الإنشاء من المادة فإن تعالى خلق حواء من ضلع آدم عليه السلام روى أنه عز وجل لما خلقه عليه السلام وأسكنه الجنة ألقي عليه النوم فبينما هو بين النائم واليقظان خلق حواء من ضلع من أضلاعه اليسرى فلما أنتبه وجدها عنده وتأخير ذكر خلقها عن ذكر خلقهم لما أن تذكير خلقهم أدخل في تحقيق ما هو المقصود من حملهم على الامتثال بالأمر بالتقوى من تذكير خلقها وتقديم الجار والمجرور للاعتناء ببيان مبدئيته عليه السلام لها مع ما فيه من التشويق إلى المؤخر كما مر مرارا وإيرادها بعنوان الزوجية تمهيد لما بعده من التناسل «وبث منهما» أي نشر من تلك النفس وزوجها المخلوقة منها بطريق التوالد والتناسل «رجالا كثيرا» نعت لرجالا مؤكدة لما أفاده التنكير من الكثرة والإفراد باعتبار معنى الجمع أو العدد وقيل هو نعت لمصدر مؤكد للفعل أي بثا كثيرا «ونساء» أي كثيرة وترك التصريح بها للاكتفاء بالوصف المذكور وإيثارهما على ذكورا وإناثا لتأكيد الكثرة والمبالغة فيها بترشيح كل فرد من الأفراد المبثوثة لمبدئية غيره وقرئ وخالق وباث على حذف المبتدأ أي وهو خالق وباث «واتقوا الله الذي تساءلون به» تكرير للأمر وتذكير لبعض آخر من موجبات الامتثال به فإن سؤال بعضهم بعضا بالله تعالى بان يقولوا أسألك بالله وأنشدك الله على سبيل الاستعطاف يقتضى الاتقاء من مخالفة أوامره ونواهيه وتعليق الاتقاء بالاسم الجليل لمزيد التأكيد والمبالغة في الحمل على الامتثال بتربية المهابة وإدخال الروعة لوقوع التساؤل به لا بغيره من أسمائه تعالى وصفاته وتساءلون أصله تتساءلون فطرحت إحدى التاءين تخفيفا وقرئ بإدغام تاء التفاعل في السين لتقاربهما في الهمس
(١٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 (3 - سورة آل عمران) 2
2 قوله تعالى: قل أنبئكم بخير من ذلكم اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار. 15
3 قوله تعالى: إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين. 25
4 قوله تعالى: فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله 40
5 (الجزء الرابع) قوله تعالى: كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل نفسه من قبل أن تنزل التوراة 58
6 قوله تعالى: من أهل الكتاب أمة قائمة يتلوا آيات الله آناء الليل وهم يسجدون. 72
7 قوله تعالى: وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين. 85
8 قوله تعالى: إذ تصعدون ولا تتلون على أحد والرسول يدعوكم. 100
9 قوله تعالى: لتبلون في أموالكم وأنفسكم 123
10 (4 - سورة النساء) قوله تعالى: يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي من نفس واحدة. 137
11 قوله تعالى: ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد. 151
12 (الجزء الخامس) قوله تعالى: والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم. 163
13 قوله تعالى: واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا. 175
14 قوله تعالى: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها. 201
15 قوله تعالى: فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا. 212
16 قوله تعالى: ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة. 224
17 قوله تعالى: لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو اصلاح بين الناس. 232
18 قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط. 242
19 (الجزء السادس) قوله تعالى: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم. 247
20 قوله تعالى: إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده. 254