باتباع نبيه عليه الصلاة والسلام فهو تذييل مقرر لما قبله مع زيادة وعد الرحمة ووضع الاسم الجليل موضع الضمير للإشعار باستتباع وصف الألوهية للمغفرة والرحمة روى أنها نزلت لما قالت اليهود نحن أبناء الله وأحباؤه وقيل نزلت في وفد نجران لما قالوا إنا نعبد المسيح حبا لله تعالى وقيل في أقوام زعموا على عهده عليه الصلاة والسلام أنهم يحبون الله تعالى فأمروا أن يجعلوا لقولهم مصداقا من العمل وروى الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على قريش وهم في المسجد الحرام يسجدون للأصنام وقد علقوا عليها بيض النعام وجعلوا في آذانها الشنوف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا معشر قريش لقد خالفتم ملة إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام فقالت قريش إنما نعبدها حبا لله تعالى ليقربونا إلى الله زلفى فقال الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام قل إن كنتم تحبون الله تعالى وتعبدون الأصنام لتقربكم إليه فاتبعوني أي اتبعوا شريعتي وسنتي يحببكم الله فأنا رسوله إليكم وحجته عليكم «قل أطيعوا الله والرسول» اي في جميع الأوامر والنواهي فيدخل في ذلك الطاعة في اتباعه عليه الصلاة والسلام دخولا أوليا وإيثار الإظهار على الإضمار بطريق الالتفات لتعيين حيثية الإطاعة والإشعار بعلتها فإن الإطاعة المأمور بها إطاعته عليه الصلاة والسلام من حيث أنه رسول الله لا من حيث ذاته ولا ريب في أن عنوان الرسالة من موجبات الإطاعة ودواعيها «فإن تولوا» إما من تمام مقول القول فهي صيغة المضارع المخاطب بحذف إحدى التاءين أي تتولوا وإما كلام متفرع عليه مسوق من جهته تعالى فهي صيغة الماضي الغائب وفي ترك ذكر احتمال الإطاعة كما في قوله تعالى فإن أسلموا تلويح إلى أنه غير محتمل منهم «فإن الله لا يحب الكافرين» نفى المحبة كناية عن بغضه تعالى لهم وسخطه عليهم أي لا يرضى عنهم ولا يثنى عليهم وإيثار الإظهار على الإضمار لتعميم الحكم لكل الكفرة والإشعار بعلته فإن سخطه تعالى عليهم بسبب كفرهم والإيذان بأن التولي عن الطاعة كفر وبأن محبته عز وجل مخصوصة بالمؤمنين «إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين» لما بين الله تعالى أن الدين المرضى عنده هو الإسلام والتوحيد وأن اختلاف أهل الكتابين فيه إنما هو للبغى والحسد وأن الفوز برضوانه ومغفرته ورحمته منوط باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وطاعته شرع في تحقيق رسالته وكونه من أهل بيت النبوة القديمة فبدأ ببيان جلالة أقدار الرسل عليهم الصلاة والسلام كافة وأتبعه ذكر مبدأ أمر عيسى عليه الصلاة والسلام وأمة وكيفية دعوته للناس إلى التوحيد والإسلام تحقيقا للحق وإبطالا لما عليه أهل الكتابين في شأنهما من الإفراط والتفريط ثم بين بطلان محاجتهم في إبراهيم عليه الصلاة والسلام وادعائهم الانتماء إلى ملته ونزة ساحته العلية عما هم عليه من اليهودية والنصرانية ثم نص على أن جميع الرسل عليهم الصلاة والسلام دعاة إلى عبادة الله عز وجل وحده وطاعته منزهون عن احتمال الدعوة إلى عبادة
(٢٥)