التعرض لما ذكر في سورة البقرة من الفلك والمطر وتصريف الرياح والسحاب لما أن المقصود ههنا بيان استبداده تعالى بما ذكر من الملك والقدرة فاكتفى بمعظم الشواهد الدالة على ذلك وأما هناك فقد قصد في ضمن بيان اختصاصه تعالى بالألوهية بيان اتصافه تعالى بالرحمة الواسعة فنظمت دلائل الفضل والرحمة في سلك دلائل التوحيد فإن ما فصل هناك من آيات رحمته تعالى كما أنه آيات ألوهيته ووحدته «لأولي الألباب» أي لذوي العقول المجلوة الخالصة عن شوائب الحس والوهم المتجردين عن العلائق النفسانية المتخلصين من العوائق الظلمانية المتأملين في أحوال الحقائق وأحكام النعوت المراقبين في أطوار الملك وأسرار الملكوت المتفكرين في بدائع صنائع الملك الخلاق المتدبرين في روائع حكمه المودعة في الأنفس والآفاق الناظرين إلى العالم بعين الاعتبار والشهود المتفحصين عن حقيقة سر الحق في كل موجود المثابرين على مراقبته وذكراه غير ملتفتين إلى شئ مما سواه إلا من حيث إنه مرآة لمشاهدة جماله وآله لملاحظة صفات كماله فإن كل ما ظهر في مظاهر الإبداع وحضر محاضر التكوين والاختراع سبيل سوى إلى عالم التوحيد ودليل قوى على الصانع المجيد ناطق بآيات قدرته فهل من سامع واع ومخبر بأنباء علمه وحكمته فهل له من داع يكلم الناس على قدر عقولهم ويرد جوابهم بحسب مقولهم يحاور تارة بأوضح عبارة ويلوح أخرى بألطف إشارة مراعيا في الحوار وإبهامهم وتصريحهم وإن من شئ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم فتأمل في هذه الشؤون والأسرار إن في ذلك لعبرة لأولى البصار عن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هل لك يا عائشة أن تأذنى لي الليلة في عبادة ربى فقلت يا رسول الله أنى لأحب قربك وأحب هواك قد أذنت لك فقام إلى قربة من ماء في البيت فتوضأ ولم يكثر من صب الماء ثم قام يصلى فقرأ من القرآن وجعل يبكى حتى بلغ الدموع حقويه ثم جلس فحمد الله تعالى وأثنى عليه وجعل يبكى ثم رفع يديه يبكى حتى رأيت دموعه قد بلت الأرض فأتاه بلال يؤذنه بصلاة الغداة فرآه يبكى فقال له يا رسول الله أتبكى وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال يا بلال أفلا أكون عبدا شكورا ثم قال وما لي لا أبكى وقد أنزل الله تعالى على في هذه الليلة «إن في خلق السماوات والأرض» الخ ثم قال ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها وروى ويل لمن لاكها بين فكيه ولم يتأملها وعن على رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل يتسول ثم ينظر إلى السماء ثم يقول «إن في خلق السماوات والأرض» «الذين يذكرون الله» الموصول إما موصول بأولى الألباب مجرور على أنه نعت كاشف له بما في حيز الصلة وإما مفصول عنه مرفوع أو منصوب على المدح أو مرفوع على انه خبر لمبتدأ محذوف وقيل هو مرفوع على الابتداء والخبر هو القول المقدر قبل قوله تعالى ربنا وفيه من تفكيك النظم الجليل مالا يخفى وأيا ما ما كان فقد أشير بما في حيز صلته أن
(١٢٨)