تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٢ - الصفحة ١٣٥
«لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد» بيان لقبح ما أوتي الكفرة من حظوظ الدنيا وكشف عن حقارة شأنها وسوء مغبتها إثر بيان حسن ما أوتي المؤمنون من الثواب والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم على أن المراد تثبيته على ما هو عليه كقوله تعالى «فلا تطع المكذبين» أو على أن المراد نهي المؤمنين كما يوجه الخطاب إلى مداره القوم ورؤسائهم والمراد أفناؤهم أو لكل أحد ممن يصلح للخطاب من المؤمنين والنهي للمخاطب وإنما جعل للتقلب مبالغة أي لا تنظر إلى ما عليه الكفرة من السعة ووفور الحظ ولا تغتر بظاهر ما ترى منهم من التبسط في المكاسب والمتاجر والمزارع روى أن بعض المؤمنين كانوا يرون المشركين في رخاء ولين عيش فيقولون إن أعداء الله تعالى فيما نرى من الخير وقد هلكنا من الجوع والجهد فنزلت وقرئ ولا يغرنك بالنون الخفيفة «متاع قليل» خبر لمبتدأ محذوف أي هو متاع قليل لا قدر له في جنب ما ذكر من ثواب الله تعالى قال عليه السلام ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بم يرجع فإذن لا يجدي وجوده لواجديه ولا يضر فقدانه لفاقديه «ثم مأواهم» أي مصيرهم الذي يأوون إليه لا يبرحونه «جهنم» التي لا يوصف عذابها وقوله تعالى «وبئس المهاد» ذم لها وإيذان بأن مصيرهم إليها مما جنته أنفسهم وكسبته أيديهم والمخصوص بالذم محذوف أي بئس ما مهدوا لأنفسهم جهنم «لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها» بيان لكمال حسن حال المؤمنين غب بيان وتكرير له إثر قرير مع زيادة خلودهم في الجنات ليتم بذلك سرورهم ويزداد تبجحهم ويتكامل به سوء حال الكفرة وإيراد التقوى في حيز الصلة للإشعار بكون الخصال المذكورة من باب التقوى والمراد به الاتقاء من الشرك والمعاصي فالموصول مبتدأ والظرف خبره وجنات مرتفع به على الفاعلية لاعتماده على المبتدأ أو الظرف خبر لجنات والجملة خبر للموصول وخالدين فيها أي في الجنات حال مقدرة من الضمير أو من جنات لتخصصها بالوصف والعامل ما في الظرف من معنى الاستقرار «نزلا من عند الله» وقرئ بسكون الزاي وهو ما يعد للنازل من طعام وشراب وغيرهما قال أبو الشعر الضبي * وكنا إذا الجبار بالجيش ضافنا * جعلنا القنا والمرهفات له نزلا * وانتصابه على الحالية من جنات لتخصصها بالوصف والعامل فيه ما في الظرف من معنى الاستقرار وقيل هو مصدر مؤكد كأنه قيل رزقا أو عطاء من عند الله «وما عند الله خير» مبتدأ وخبر وقوله تعالى «للأبرار» متعلق بمحذوف هو صفة لخير أي ما عنده تعالى من الأمور المذكورة الدائمة خير كائن للأبرار أي مما يتقلب فيه الفجار من المتاع القليل الزائل والتعبير عنهم بالأبرار للإشعار بأن الصفات المعدودة من أعمال البر كما أنها من قبيل التقوى والجملة تذييل لما قبلها
(١٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 130 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 (3 - سورة آل عمران) 2
2 قوله تعالى: قل أنبئكم بخير من ذلكم اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار. 15
3 قوله تعالى: إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين. 25
4 قوله تعالى: فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله 40
5 (الجزء الرابع) قوله تعالى: كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل نفسه من قبل أن تنزل التوراة 58
6 قوله تعالى: من أهل الكتاب أمة قائمة يتلوا آيات الله آناء الليل وهم يسجدون. 72
7 قوله تعالى: وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين. 85
8 قوله تعالى: إذ تصعدون ولا تتلون على أحد والرسول يدعوكم. 100
9 قوله تعالى: لتبلون في أموالكم وأنفسكم 123
10 (4 - سورة النساء) قوله تعالى: يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي من نفس واحدة. 137
11 قوله تعالى: ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد. 151
12 (الجزء الخامس) قوله تعالى: والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم. 163
13 قوله تعالى: واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا. 175
14 قوله تعالى: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها. 201
15 قوله تعالى: فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا. 212
16 قوله تعالى: ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة. 224
17 قوله تعالى: لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو اصلاح بين الناس. 232
18 قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط. 242
19 (الجزء السادس) قوله تعالى: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم. 247
20 قوله تعالى: إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده. 254