والتأكيد للإيذان بصدور المقال عنهم بوفور الرغبة وكمال النشاط والمراد بالنداء الدعاء وتعديتهما بإلى لتضمنهما معنى الإنهاء وباللام لاشتمالهما على معنى الاختصاص والمراد بالمنادى الرسول صلى الله عليه وسلم وتنوينه للتفخيم وإيثاره على الداعي للدلالة على كمال اعتنائه بشأن الدعوة وتبليغها إلى الداني والقاصى لما فيه من الإيذان برفع الصوت وينادى صفة لمناديا عند الجمهور كما في قولك سمعت رجلا يقول كيت وكيت ولو كان معرفة لكان حالا منه كما إذا قلت سمعت زيدا يقول الخ ومفعول ثان لسمعنا عند الفارسي وأتباعه وهذا أسلوب بديع يصار إليه للمبالغة في تحقيق السماع والإيذان بوقوعه بلا واسطة عند صدور المسموع عن المتكلم وللتوسل إلى تفصيله واستحضار صورته وقد اختص النظم الكريم بمزية زائدة على ذلك حيث عبر عن المسموع منه بالمنادى ثم وصف بالنداء للإيمان على طريقة قولك سمعت متكلما يتكلم بالحكمة لما أن التفسير بعد الإبهام والتقييد بعد الإطلاق أوقع عند النفس وأجدر بالقبول وقيل المنادى القرآن العظيم «أن آمنوا» أي آمنوا على أن أن تفسيرية أو بأن آمنوا على أنها مصدرية «بربكم» بما لكم ومتولى أموركم ومبلغكم ومبلغكم إلى الكمال وفي إطلاق الإيمان ثم تقييده تفخيم لشأنه «فآمنا» أي فامتثلنا بأمره وأجبنا نداءه «ربنا» تكرير للتضرع وإظهار لكمال الخضوع وعرض للاعتراف بربوبيته مع الإيمان به والفاء في قوله تعالى «فاغفر لنا» لترتيب المغفرة أو الدعاء بها على الإيمان به تعالى والإقرار بربوبيته فإن ذلك من دواعي المغفرة والدعاء بها «ذنوبنا» أي كبائرها فإن الإيمان يجب ما قبله «وكفر عنا سيئاتنا» أي صغائرنا فإنها مكفرة عن مجتنب الكبائر «وتوفنا مع الأبرار» أي مخصوصين بصحبتهم مغتنمين لجوارهم معدودين من زمرتهم وفيه إشعار بأنهم كانوا يحبون لقاء الله ومن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه والأبرار جمع بار أو بر كأصحاب وأرباب «ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك» حكاية لدعاء آخر لهم مسبوق بما قبله معطوف عليه لتأخر التحلية عن التخلية وتكرير النداء لما مر مرارا والمراد بالموعود الثواب وعلى إما متعلقة بالوعد كما في قولك وعد الله الجنة على الطاعة أي وعدتنا على تصديق رسلك أو بمحذوف وقع صفة لمصدر مؤكد محذوف أي وعدتنا وعدا كائنا على ألسنة رسلك وقيل التقدير منزلا على رسلك أو محمولا على رسلك ولا يخفى أن تقدير الأفعال الخاصة في مثل هذه المواقع تعسف وجمع الرسل مع ان المنادى هو الرسول صلى الله عليه وسلم وحده لما ان دعوته عليه السلام لا سيما في باب التوحيد وما اجمع عليه الكل من الشرائع منطوية على دعوة الكل فتصديقه تصديق لهم عليهم السلام كيف لا وقد أخذ منهم الميثاق بالإيمان به عليه السلام لقوله تعالى «وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب» الآية وكذا الموعود على لسانه من الثواب موعود على ألسنة الكل وإيثار الجمع لإظهار كمال الثقة بانجاز الموعود بناء على كثرة الشهود «ولا تخزنا يوم القيامة» قصدوا بذلك تذكير وعده تعالى بقوله يوم لا يخزى الله النبي والذين آمنوا معه مظهرين أنهم ممن آمن معه رجاء للانتظام في سلكهم يومئذ وقوله تعالى «إنك لا تخلف الميعاد» تعليل لتحقيق ما نظموا في سلك الدعاء وهذه الدعوات وما في تضاعيفها من كمال الضراعة
(١٣٢)