المبالغة لتأكيد هذا المعنى بإبراز ما ذكر من التعذيب بغير ذنب في صورة المبالغة في الظلم وقيل هي لرعاية جمعية العبيد من قولهم فلان ظالم لعبده وظلام لعبيده على أنها للمبالغة كما لا كيفا هذا وقد قيل محل أن الجر بالعطف على ما قدمت وسببيته للعذاب من حيث أن نفى الظلم مستلزم للعدل المقتضى لإثابة المحسن ومعاقبة المسئ وفساده ظاهر فإن ترك التعذيب من مستحقه ليس بظلم شرعا ولا عقلا حتى ينتهض نفى الظلم سببا للتعذيب حسبما ذكره القائل في سورة الأنفال وقيل سببية ذنوبهم لعذابهم مقيدة بانضمام انتفاء ظلمه تعالى إليها إذ لولاه لأمكن أن يعذبهم بغير ذنوبهم وأنت خبير بأن إمكان تعذيبه تعالى لعبيده بغير ذنب بل وقوعه لا ينافي كون تعذيب هؤلاء الكفرة بسبب ذنوبهم حتى يحتاج إلى اعتبار عدمه معه وإنما يحتاج إلى ذلك أن لو كان المدعى أن جميع تعذيباته تعالى بسبب ذنوب المعذبين «الذين قالوا» نصب أو رفع على الذم وهم كعب بن الأشرف ومالك بن صيفي وحيي بن أخطب وفنحاص بن عازوراء ووهب بن يهوذا «إن الله عهد إلينا» أي أمرنا في التوراة وأوصانا «ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار» كما كان عليه أمر أنبياء بنى إسرائيل حيث كان يقرب بالقربان فيقوم النبي فيدعو فتنزل نار من السماء فتأكله أي تحيله إلى طبعها بالإحراق وهذا من مفترياتهم وأباطيلهم فإن أكل النار القربان لم يوجب الإيمان إلا لكونه معجزة فهو وسائر المعجزات سواء ولما كان محصل كلامهم الباطل أن عدم إيمانهم برسول الله صلى الله عليه وسلم لعدم إتيانه بما قالوا ولو تحقق الإتيان به لتحقق الإيمان رد عليهم بقوله تعالى «قل» أي تبكيتا لهم وإظهارا لكذبهم «قد جاءكم رسل» كثيرة العدد كبيرة المقدار «من قبلي بالبينات» أي المعجزات الواضحة «وبالذي قلتم» بعينه من القربان الذي تأكله النار «فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين» فيما يدل عليه كلامكم من أنكم تؤمنون لرسول يأتيكم بما اقترحتموه فإن زكريا ويحيى وغيرهم من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قد جاءوكم بما قلتم مع معجزات أخر فما لكم لم تؤمنوا لهم حتى اجترأتم على قتلهم «فإن كذبوك» شروع في تسلية رسول الله صلى الله عليه وسلم إثر ما أوحى إليه ما يحزنه عليه الصلاة والسلام من مقالات الكفرة من المشركين واليهود وقوله تعالى «فقد كذب رسل من قبلك» تعليل لجواب الشرط أي فتسل فقد كذب الخ ومن متعلقة بكذب أو بمحذوف صفة لرسل أي كائنة من قبلك «جاؤوا بالبينات» أي المعجزات الواضحات صفة لرسل «والزبر» هو جمع زبور وهو الكتاب المقصود على الحكم من زبرته إذا حسنته وقيل زبر المواعظ والزواجر من زبرته إذا زجرته والكتاب قيل أي التوراة والإنجيل والزبور والكتاب في عرف القرآن ما يتضمن الشرائع والأحكام ولذلك جاء الكتاب والحكمة متعاطفين في عامة وقرئ وبالزبر بإعادة الجار دلالة على أنها مغايرة بالذات
(١٢٢)