«لا خير في كثير من نجواهم» أي في كثير من تناجي الناس «إلا من أمر» أي إلا في نجوى من أمر «بصدقة أو معروف» وقيل المراد بالنجوى المتناجون بطريق المجاز وقيل النجوى جمع نجى نقله الكرماني وأيا ما كان فالاستثناء متصل ويجوز الانقطاع أيضا على معنى لكن من أمر بصدقة الخ ففي نجواه الخير والمعروف كل ما يستحسنه الشرع ولا ينكره العقل فينتظم أصناف الجميل وفنون اعمال البر وقد فسر ههنا بالقرض وإغاثة الملهوف وصدقة التطوع على أن المراد بالصدقة الواجبة «أو إصلاح بين الناس» عند وقوع المشاقة والمعاداة بينهم من غير أن يجاوز في ذلك حدود الشرع الشريف وبين إما متعلق بنفس إصلاح يقال أصلحت بين القوم أو بمحذوف هو صفة له أي كائن بين الناس عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له الا أدلك على صدقة خير لك من حمر النعم فقال بلى يا رسول الله قال تصلح بين الناس إذا تفاسدوا وتقرب بينهم إذا تباعدوا قالوا ولعل السر في إفراد هذه الاقسام الثلاثة بالذكر أن عمل الخير المتعدي إلى الناس إما لإيصال المنفعة أو لدفع المضرة والمنفعة إما جسمانية كإعطاء المال واليه الإشارة إلى قوله تعالى الا من امر بصدفة وأما روحانية وإليه الإشارة بالأمر بالمعروف وأما دفع الضرر فقد أشير اليه بقوله تعالى أو إصلاح بين الناس «ومن يفعل ذلك» إشارة إلى الأمور المذكورة اعني الصدقة والمعروف والإصلاح فإنه يشاربه إلى متعدد وما فيه من معنى البعد مع قرب العهد بها للإيذان ببعد منزلتها ورفعة شأنها وترتيب الوعد على فعلها إثر بيان خيرية الأمر بها لما أن المقصود الأصلي هو الترغيب في الفعل وبيان خيرية الأمر به للدلالة على خيريته بالطريق الأولى لما أن مدار حسن الأمر وقبحه حسن المأمور به وقبحه فحيث ثبت خيرية الأمر بالأمور المذكورة فخيرية فعلها أثبت وفيه تحريض للآمر بها على فعلها أو إشارة إلى الأمر بها كأنه قيل ومن يأمر بها والكلام في ترتيب الوعد على فعلها كالذي مر في الخيرية فإن استتباع الأمر بها للأجر العظيم إنما هو لكونه ذريعة إلى فعلها فاستتباعه له أولى وأحق «ابتغاء مرضات الله» علة للفعل والتقييد به لأن الأعمال بالنيات وأن من فعل خيرا لغير ذلك لم يستحق به غير الحرمان «فسوف نؤتيه» بنون العظمة على الالتفات وقرئ بالياء «أجرا عظيما» يقصر عنه الوصف «ومن يشاقق الرسول» التعرض لعنوان الرسالة لإظهار كمال شناعة ما اجترءوا عليه من المشاقة والمخالفة وتعليل الحكم الآتي بذلك «من بعد ما تبين له الهدى» ظهر له الحق بالوقوف على المعجزات الدالة على نبوته «ويتبع غير سبيل المؤمنين» أي غير ما هم مستمرون عليه من عقد وعمل وهو الدين القيم «نوله
(٢٣٢)