الحكم الذي أجرى على الموصول ودواعي ثبوته له كذكرهم الله عز وجل في عامة أوقاتهم وتفكرهم في خلق السماوات والأرض فإنهما مما يؤدى إلى اجتلاء تلك الآيات والاستدلال بها على المطلوب ولا ريب في أن قولهم ذلك ليس من مبادى الاستدلال المذكور بل من نتائجه المترتبة عليه فاعتباره قيدا لما في حيز الصلة مما لا يليق بشأن التنزيل الجليل نعم هو حال من ذلك على تقدير كون الموصول مرفوعا أو منصوبا على المدح أو مرفوعا على أنه خبر لمبتدأ محذوف إذ لا اشتباه في أن قولهم ذلك من مبادى مدحهم ومحاسن مناقبهم وفي إبراز هذا القول في معرض الحال دون الخبر إشعار بمقارنته لتفكرهم من غير تلعثم وتردد في ذلك وقوله تعالى «سبحانك» أي تنزيها لك عما لا يليق بك من الأمور التي من جملتها خلق مالا حكمة فيه اعتراض مؤكدة لمضمون ما قبله وممهد لما بعده من قوله تعالى «فقنا عذاب النار» فإن معرفة سر خلق العالم وما فيه من الحكمة البالغة والغاية الحميدة والقيام بما تقتضيه من الأعمال الصالحة وتنزيه الصانع تعالى عن العبث من دواعي الاستعاذة مما يحيق بالمخلين بذلك من وجهين أحدهما الوقوف على تحقق العذاب فالفاء لترتيب الدعاء على ما ذكر والثاني الاستعداد لقبول الدعاء فالفاء لترتيب المدعو أعنى الوقاية على ذلك كأنه قيل وإذ قد عرفنا سرك وأطعنا أمرك ونزهناك عما لا ينبغي فقنا عذاب النار الذي هو جزاء الذين لا يعرفون ذلك «ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته» مبالغة في استدعاء الوقاية وبيان لسببه وتصدير الجملة بالنداء للمبالغة في التضرع والجؤار وتأكيدها لإظهار كمال اليقين بمضمونها والإيذان بشدة الخوف وإظهار النار في موضع الإضمار لتهويل أمرها وذكر الإدخال في مورد العذاب لتعيين كيفيته وتبيين غاية فظاعته قال الواحدي للإخزاء معان متقاربة يقال أخزاه الله أي أبعده وقيل إهانة وقيل أهلكه وقيل فضحة قال ابن الأنباري الخزي لغة الهلاك بتلف أو بانقطاع حجة أو بوقوع في بلاء والمعنى فقد أخزيته خزيا لا غاية وراءه كقولهم من أدرك مرعى الضمان فقد أدرك أي المرعى الذي لا مري على بعده وفيه من الإشعار بفظاعة العذاب الروحاني مالا يخفى وقوله تعالى «وما للظالمين من أنصار» تذييل لإظهار نهاية فظاعة حالهم ببيان خلود عذابهم بفقدان من ينصرهم ويقوم بتخليصهم وغرضهم تأكيد الاستدعاء ووضع الظالمين موضع ضمير المدخلين لذمهم والإشعار بتعليل دخولهم النار بظلمهم ووضعهم الأشياء في غير مواضعها وجمع الأنصار بالنظر إلى جمع الظالمين أي ما لظالم من الظالمين نصير من الأنصار والمراد به من ينصر بالمدافعة والقهر فليس في الآية دلالة على نفى الشفاعة على أن المراد بالظالمين هم الكفار «ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان» حكاية لدعاء آخر لهم مبنى على تأملهم في الدليل السمعي بعد حكاية دعائهم السابق المبنى على التفكر في الأدلة العقلية وتصدير مقدمة الدعاء بالنداء لإظهار كمال الضراعة والابتهال
(١٣١)