إلى عدم نجاتهم من مطلق العذاب حقق ان لهم فردا منه لا غاية له في المدة والشدة كما تلوح به الجملة الاسمية والتنكير التفخيمى والوصف «ولله» أي خاصة «ملك السماوات والأرض» أي السلطان القاهر فيهما بحيث يتصرف فيهما وفيما فيهما كيفما يشاء ويريد إيجادا وإعداما إحياء وإماته تعذيبا وإثابة من غير أن يكون لغيره شائبة دخل في شئ من ذلك بوجه من الوجوه فالجملة مقررة لما قبلها وقوله تعالى «والله على كل شيء قدير» تقرير لاختصاص ملك العالم الجثماني المعبر عنه بقطرية به سبحانه وتعالى فإن كونه تعالى قادرا على الكل بحيث لا يشذ من ملكوته شئ من الأشياء يستدعى كون ما سواه كائنا ما كان مقدورا له ومن ضرورته اختصاص القدرة به تعالى واستحالة أن يشاركه شئ من الأشياء في القدرة على شئ من الأشياء فضلا عن المشاركة في ملك السماوات والأرض وفيه تقريره لما مر من ثبوت العذاب الأليم لهم وعدم نجاتهم منه أثر تقرير وإظهار الاسم الجليل في موقع الإضمار لتربية المهابة والإشعار بمناط الحكم فإن شمول القدرة لجميع الأشياء من أحكام الألولهية مع ما فيه من الإشعار باستقلال كل من الجملتين بالتقرير «إن في خلق السماوات» جملة مستأنفة سيقت لتقرير ما سبق من اختصاصه تعالى بالسلطان القاهر والقدرة التامة صدرت بكلمة التأكيد اعتناء بتحقيق مضمونها أي في إنشائها على ما هي عليه في ذواتها وصفاتها من الأمور التي يحار في فهم أجلاها العقول «والأرض» على ما هي عليه ذاتا وصفة «واختلاف الليل والنهار» أي في تعاقبهما في وجه الأرض وكون كل منهما خلفة للآخر بحسب طلوع الشمس وغروبها التابعين لحركات السماوات وسكون الأرض أو في تفاوتهما بازدياد كل منهما بانتقاص الآخر وانتقاصه بازدياده باختلاف حال الشمس بالنسبة إلينا قربا وبعدا بحسب الأزمنة أو في اختلافهما وتفاوتهما بحسب الأمكنة إما في الطول والقصر فإن البلاد القريبة من القطب الشمالي أيامها الصيفية أطول ولياليها الصيفية أقصر من أيام البلاد البعيدة منه ولياليها وإما في أنفسها فإن كرية الأرض تقتضي أن يكون بعض الأوقات في بعض الأماكن ليلا وفي مقابلة نهارا وفي بعضها صباحا وفي بعضها ظهرا أو عصرا أو غير ذلك والليل قيل أنه اسم جنس يفرق بين واحده وجمعه بالتاء كتمر وتمرة والليالي جمع جمع والصحيح أنه مفرد ولا يحفظ له جمع والليالي جمع ليلة وهو جمع غريب كأنهم توهموا أنها ليلاه كما في كيكة وكياكى كأنها جمع كيكاة والنهار اسم لما بين طلوع الفجر وغروب الشمس قاله الراغب وقال ابن فارس هو ضياء ما بينهما وتقديم الليل على النهار إما لأنه الأصل فإن غرر الشهور تظهر في الليالي وإما لتقدمه في الخلفية حسبما ينبئ عنه قوله تعالى وآية لهم الليل نسلخ منه النهار أي نزيلة منه فيخلفه «لآيات» اسم إن دخلته اللام لتأخره عن خبرها والتنكير للتفخيم كما وكيفا أي لآيات كثيرة عظيمة لا يقادر قدرها دالة على تعاجيب شؤونه التي من جملتها ما مر من اختصاص الملك العظيم والقدرة التامة به سبحانه وعدم
(١٢٧)