عمومه بأن يراد بالاشتراء المذكور القدر المشترك الشامل للمعنيين المذكورين ولأخذ الكفر بدلا مما نزل منزلة نفس الإيمان من الاستعداد القريب له الحاصل بمشاهدة الوحي الناطق وملاحظة الدلائل المنصوبة في الآفاق والأنفس كما هو دأب جميع الكفرة فالجملة مقررة لمضمون ما قبلها تقرير القواعد الكلية لما اندرج تحتها من جزئيات الأحكام هذا وقد جوز كون الموصول الأول عاما للكفار والثاني خاصا بالمعهودين وأنت خبير بأنه مع خلوه عن النكت المذكورة مما لا يليق بفخامة شأن التنزيل لما ان صدور المسارعة في الكفر بالمعنى المذكور وكونها مظنة لإيراث الحزن لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما يفهم من النهى عنه إنما يتصور ممن علم اتصافه بها وإما من لا يعرف حاله من الكفرة الكائنين في الأماكن البعيدة فإسناد المسارعة المذكورة إليهم باعتبار كونها من مبادى حزنه عليه السلام ومما لا وجه له وقوله تعالى «ولهم عذاب أليم» جملة مبتدأة مبينة لكمال فظاعة عذابهم بذكر غاية إيلامه بعد ذكر نهاية عظمه قيل لما جرت العادة باغتباط المشترى بما اشتراه وسروره بتحصيله عند كون الصفقة رابحة وبتألمه عند كونها خاسرة وصف عذابهم بالإيلام مراعاة لذلك «ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم» عطف على قوله تعالى ولا يحزنك الذين الآية والفعل مسند إلى الموصول وأن بما في حيزها سادة مسد مفعولية عند سيبويه لتمام المقصود بها وهو تعلق الفعل القلبي بالنسبة بين المبتدأ والخبر أو مسد أحدهما والآخر محذوف عند الأخفش وما مصدرية أو موصولة حذف عائدها ووصلها في الكتابة لاتباع الإمام أي لا يحسبن الكافرون إن إملاءنا لهم أو أن ما نمليه لهم خير لأنفسهم أولا يحسبن الكافرون خيرية إملائنا لهم أو خيرية ما نمليه لهم ثابتة أو واقعة ومآله نهيهم عن السرور بظاهر إملائه تعالى لهم بناء على حسبان خيريته لهم وتحسيرهم ببيان أنه شر بحت وضرر محض كما أن مآل المعطوف عليه نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الحزن بظاهر حال الكفرة بناء على توهم الضرر من قبلهم وتسليته عليه السلام ببيان عجزهم عن ذلك بالكلية والمراد بالموصول إما جنس الكفرة فيندرج تحت حكمة الكلى أحكام المعهودين اندراجا أوليا وإما المعهود دون خاصة فإيثار الإظهار على الإضمار لرعاية المقارنة الدائمة بين الصلة وبين الإملاء الذي هو عبارة عن إمهالهم وتخليتهم وشأنهم دهرا طويلا فإن المقارن له دائما إنما هو الكفر المستمر لا المسارعة المذكورة ولا الاشتراء المذكور فإنهما من الأحوال المتجددة المنقضية في تضاعيف الكفر المستمر وقرئ لا تحسبن بالتاء والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الأنسب بمقام التسلية أو لكل من يتأتى منه الحسبان قصدا إلى إشاعة فظاعة حالهم والموصول مفعول وإنما نملى لهم إما بدل منه وحيث كان التعويل على البدل وهو ساد مسد المفعولين كما في قوله تعالى أم تحسب أن أكثرهم يسمعون اقتصر على مفعول واحد كما في قولك جعلت المتاع بعضه فوق بعض وإما مفعول ثان بتقدير مضاف إما فيه أي لا تحسبن
(١١٧)